الدكتور محمد تورشين يكتب : عشرون عاما من السلام لكن إلى أين تمضي بوروندي..؟

بعد مرور عقدين من الزمن على توقيع اتفاق السلام التاريخي الذي أنهى الحرب الأهلية في بوروندي عام 2003، لا تزال آثار ذلك الصراع تلقي بظلالها على البلاد.. وعلى الرغم من تحقيق قدر من الاستقرار النسبي، إلا أن بوروندي لا تزال تواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة تهدد مسيرة التحول الديمقراطي والتنمية المستدامة.
لقد شكّل اتفاق أروشا للسلام والمصالحة حجر الزاوية في إنهاء الحرب الأهلية، وأسهم في وضع أسس تقاسم السلطة بين المكونات العرقية الرئيسية في البلاد، الهوتو والتوتسي.. ورغم أن الاتفاق نجح في تهدئة النزاع المسلح وفتح المجال أمام عودة اللاجئين، إلا أن تطبيق بنوده ظل جزئيًا، وتعرض في فترات لاحقة لتراجعات خطيرة، خصوصًا مع وصول الرئيس السابق بيير نكورونزيزا إلى الحكم، وما تبعه من تعديلات دستورية وممارسات سلطوية أضعفت مؤسسات الدولة وقلّصت من هامش الحريات العامة.
في السياق نفسه، مازالت التحديات المتبقية التي تعيق التقدم الحقيقي في بوروندي.. فقد استمرار تهميش المعارضة السياسية، و تمادي سطوة الحزب الحاكم (CNDD-FDD)، بالإضافة إلى محدودية انفتاح الفضاء المدني وتقييد حرية التعبير، خصوصًا بعد أزمة 2015 التي فجّرها إعلان نكورونزيزا ترشحه لولاية ثالثة، ما أدخل البلاد في دوامة جديدة من القمع السياسي والاضطرابات الأمنية.
وفي ظل هذه الأوضاع، تبدو آفاق التحول الديمقراطي محدودة، على الرغم من محاولات التهدئة والانفتاح التي بادر بها الرئيس الحالي إيفاريست نداييشيميي، الذي تولى الحكم في عام 2020 بعد وفاة نكورونزيزا المفاجئة. ومع أن نداييشيميي قدّم وعودًا بإصلاحات سياسية وتعهد بمكافحة الفساد وفتح حوار مع المعارضة، إلا أن التنفيذ العملي لهذه الوعود ما يزال بطيئًا ومتعثّرًا، في ظل استمرار هيمنة الأجهزة الأمنية والنفوذ العسكري في الحياة السياسية.
اقتصاديًا، يعاني البلد من ضعف البنية التحتية، ونسبة بطالة مرتفعة، وتضخم اقتصادي متزايد، فضلًا عن اعتماده المفرط على المساعدات الخارجية، وهو ما يجعل الاقتصاد هشًا أمام الصدمات. وقد فاقمت العقوبات الأوروبية والدولية المفروضة عقب أزمة 2015 من تفاقم الأوضاع الاقتصادية، رغم بعض محاولات الانفتاح الأخيرة التي أسفرت عن استئناف جزئي للمساعدات.
أما على المستوى الاجتماعي، فلا تزال التوترات العرقية قائمة تحت السطح، وإن كانت لا تأخذ شكلًا عنيفًا كما في السابق. كما أن قضايا العدالة الانتقالية وجبر الضرر للضحايا لم تُحسم بعد، في ظل غياب آليات فعالة للمصالحة الوطنية الشاملة.
بناءً عليه، فأن الوضع في بوروندي يتطلب مقاربة جديدة تتجاوز الإشادة الشكليّة بالاستقرار الأمني، نحو دعم حقيقي لمسار ديمقراطي شامل يُشرك مختلف الفاعلين السياسيين والمجتمعيين، ويضمن استقلالية المؤسسات، ويعالج الاختلالات البنيوية التي أفرزها الماضي القريب.
ختاما ، بعد 20 عامًا على نهاية الحرب الأهلية، لا تزال بوروندي في مفترق طرق. فبين وعود الإصلاح وصعوبات الواقع، تظل الحاجة ملحّة لإرادة سياسية صادقة تُنهي دوامة السلطوية وتُطلق دينامية ديمقراطية وتنموية حقيقية، قادرة على ضمان السلم والاستقرار في المدى البعيد.
- الدكتور محمد تورشين .. باحث وكاتب في الشؤون المحلية والقضايا الأفريقية .
إقرأ المزيد :
الدكتور محمد تورشين يكتب : جنوب السودان على صفيح ساخن .. هل تندلع حرب ثالثة ؟