بعد لقاء رامافوزا وترامب .. هل تنجح جنوب أفريقيا في إعادة ضبط علاقتها المتوترة مع الولايات المتحدة؟

في خطوة وصفت بالمفصلية في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية جنوب أفريقيا، أجرى الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا زيارة رسمية إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، التقى خلالها بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب داخل أروقة البيت الأبيض ، وجاءت هذه الزيارة في توقيت بالغ الحساسية، خصوصًا بعد أن شهدت العلاقات بين البلدين توترًا ملحوظًا خلال الأسابيع الماضية.
يُعزى هذا التوتر إلى عدة ملفات شائكة، أبرزها الهجوم العلني الذي شنه الرئيس ترامب على قانون إصلاح الأراضي في جنوب أفريقيا، والذي يهدف إلى تصحيح المظالم التي خلفها نظام الفصل العنصري السابق. كما اشتعل الخلاف حول موقف جنوب أفريقيا من المحكمة الجنائية الدولية في ما يتعلق بقضية إسرائيل، بالإضافة إلى قرار واشنطن المفاجئ بوقف المساعدات الأمريكية المقدمة إلى بريتوريا.
وزادت الأمور تعقيدًا بعد قيام السلطات الأمريكية بطرد السفير الجنوب أفريقي من العاصمة واشنطن ، كما اتخذت الإدارة الأمريكية قرارًا مثيرًا للجدل بمنح حق اللجوء للأقلية البيضاء المعروفة باسم “الأفريكانرز”، مستندة إلى مزاعم تتعلق بالتمييز العنصري، وهي اتهامات تنفيها حكومة جنوب أفريقيا بشكل قاطع.
وعقب زيارة رامافوزا إلى البيت الأبيض، أصدرت حكومة جنوب أفريقيا أول تعليق رسمي عبر حسابها على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، ووصفت الزيارة بأنها “لحظة حاسمة” في تاريخ السياسة الخارجية للبلاد، ومثّلت “حوارًا دبلوماسيًا محوريًا” ساهم في تعزيز مكانة جنوب أفريقيا وصوتها على الساحة العالمية.
وأشارت الحكومة في بيانها إلى أن الوفد الجنوب أفريقي الذي شارك في المحادثات داخل البيت الأبيض قاد النقاشات بـ”وضوح وكرامة وتركيز”، مشددة على التزامه بالقيم والمبادئ رغم الضغوط الخارجية. كما سلّط البيان الضوء على ما وصفه بـ”النتائج الرئيسية” للاجتماع، والتي تمحورت حول ملفات الاستثمار والنمو الشامل.
وأضافت الحكومة أن موقفها القائم على الحقائق والتواصل الهادئ أسهم في دحض المعلومات المضللة التي انتشرت مؤخرًا، وأعاد التأكيد على دور جنوب أفريقيا كصوت بارز في تحالفات الجنوب العالمي.
وأكد البيان كذلك أن “الحوار الدبلوماسي سيستمر بروح أكثر عمقًا”، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة ليست نهاية المطاف، بل هي امتداد لمهمة أكبر تسعى جنوب أفريقيا لتحقيقها على الصعيد الدولي.
وبينما سعت زيارة رامافوزا إلى “إعادة ضبط” العلاقات بين بريتوريا وواشنطن بعد فترة من التوتر المتصاعد، يبقى السؤال المطروح الآن: هل ستتمكن هذه الزيارة من إعادة بناء الثقة بين البلدين؟ وهل ستكون بداية لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي أم أنها مجرد هدنة مؤقتة في خلاف طويل الأمد؟
أهمية لقاء ترامب ورامافوزا الرمزية والسياسية

ويقول رامي زهدي: تصريح رامي زُهدي – خبير الشؤون الإفريقية، مساعد رئيس حزب الوعي للشؤون الإفريقية , في أعقاب اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيس جمهورية جنوب إفريقيا، ومع تصاعد مؤشرات التوتر الدبلوماسي بين واشنطن وبريتوريا في الآونة الأخيرة، يبرز سؤال مشروع لدى المتابعين: هل العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا باتت على أعتاب نفق مظلم، أم أنها ما تزال تحتفظ بأفق للحوار وإعادة التموضع؟ , مضيفا “من وجهة نظري، فإن اللقاء، على أهميته الرمزية والسياسية، لا يلغي حقيقة أن العلاقات بين البلدين تشهد منذ سنوات حالة من الشد والجذب، تفاقمت مع تباين المواقف حول قضايا دولية كبرى مثل الحرب في أوكرانيا، والوجود الصيني والروسي في القارة الإفريقية، ودعم جنوب افريقيا للقضية الفلسطينة واتخاذها اجراءات قانونية ضد جرائم حرب اسرائيل، وكذلك ملف العقوبات الاقتصادية، والتقارير المتعلقة بتقارب جنوب إفريقيا من شركاء واشنطن التقليديين من موقع الندية، لا التبعية.
وتابع ” اليوم،تدخل العلاقة بين القوتين مرحلة مختلفة.. فالرئيس ترامب يحمل رؤى واضحة تتسم بالبراجماتية الاقتصادية أولاً، والنزعة السيادية في العلاقات الدولية ثانياً.. وهذا قد يُترجم في ملفات التعاون أو الضغط باتجاه مصالح أمريكية أكثر صراحة وأقل مواربة، خصوصاً في القارة الإفريقية التي باتت ميداناً مركزياً للصراع الجيوسياسي العالمي.
جنوب أفريقيا ليست دولة هامشية
وأكد رامي زهدي أن جنوب إفريقيا ليست دولة هامشية، بل هي قوة إفريقية كبرى، تقود مجموعة البريكس، وتملك ثقلاً إقليمياً ودولياً يجعلها رقماً صعباً في المعادلة. وهي، بما راكمته من إرث سياسي منذ نيلسون مانديلا وحتى اليوم، أثبتت قدرتها على صياغة علاقات متعددة الأقطاب دون التفريط بثوابتها الوطنية ولا ارتهانها لأي محور دولي.
واعتبر زهدي أن لقاء ترامب برئيس جنوب إفريقيا ليس نهايةً للتوتر، لكنه أيضاً ليس إعلان قطيعة. بل هو خطوة ضمن مسار طويل من إعادة تعريف المصالح والنفوذ المتبادل , مشددا علي أن العلاقات لن تعود إلى ما كانت عليه في زمن ما بعد الفصل العنصري من دفء سياسي تلقائي؛ لكنها أيضاً لن تصل إلى الانهيار الكامل، لأن واشنطن تدرك أهمية جنوب إفريقيا كحليف محتمل في قضايا الاقتصاد، الأمن، وموازنة النفوذ الصيني – الروسي، بينما تدرك بريتوريا أن علاقتها بالولايات المتحدة لا تزال ذات وزن اقتصادي واستراتيجي لا يمكن تجاهله.
شد وجذب
وقال الخبير في الشؤون الإفريقية ” ما نحتاجه اليوم هو قراءة هادئة وواقعية لما يجري: نحن لا نعيش نهاية علاقة، بل نعيش ميلاد شكل جديد من التفاعل الدولي، حيث لم تعد واشنطن قادرة على فرض أولوياتها دون تفاوض، ولم تعد الدول الإفريقية مستعدة للعب دور المتلقي السلبي.
وأضاف رامي زهدي ” وأؤكد أن العلاقات الأمريكية – الجنوب إفريقية ستظل علاقة شد وجذب، لكنها – إن أُحسن إدارتها – يمكن أن تتحول إلى علاقة شراكة بشروط جديدة، لا تقطع الطريق ولا تدخله في ظلام، بل تعبر به نحو مرحلة أكثر وضوحاً وتحديداً للمصالح والمسارات.
تورشين : ترامب لم يُظهر نية حقيقية لتسوية الخلاف مع جنوب أفريقيا
أعرب الدكتور محمد تورشين، الخبير المتخصص في الشؤون الأفريقية، عن رؤيته تجاه اللقاء الذي جمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا خلال زيارة الأخير إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واصفًا إياه بأنه كشف عن نمط تعاطٍ مختلف عمّا كان متوقعًا، لكنه لا يمثل انفراجًا حقيقيًا في العلاقات بين البلدين.
وفي تصريحات خاصة لموقع “أفرو نيوز 24″، أكد تورشين أن الرئيس الأمريكي لم يُبدِ رغبة حقيقية أو جادة في التوصل إلى تسوية سياسية أو وضع مقاربة مشتركة يمكن من خلالها الاستفادة من المكانة الاستراتيجية التي تحتلها جنوب أفريقيا في القارة السمراء. كما أشار إلى أن هذه الزيارة لم تحمل في طياتها أي تحول جوهري في السياسة الأمريكية تجاه جنوب أفريقيا، خصوصًا في ما يتعلق بمحاولات واشنطن استعادة نفوذها المتآكل في القارة الأفريقية.
وقال تورشين: “الرئيس ترامب استمر في تبني نفس النهج القائم على ممارسة الضغوط السياسية ومحاولات الابتزاز تجاه نظيره الجنوب أفريقي”، موضحًا أن هذا الأسلوب لم يكن مفاجئًا بالنسبة لحكومة جنوب أفريقيا ولا للمراقبين السياسيين المتابعين للمشهد، خاصة أولئك المطلعين على طبيعة توجهات الإدارة الأمريكية الحالية.
وأضاف الخبير الأفريقي أن المسألة بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا معقدة للغاية، مشددًا على أن استمرار واشنطن في هذا النمط من التعامل قد يؤدي إلى خسارة كبيرة على مستوى النفوذ والأدوات الاستراتيجية التي تمتلكها أمريكا داخل القارة. وأشار إلى أن جنوب أفريقيا تُعد ركيزة أساسية في المشهد الجيوسياسي الأفريقي، وأي تدهور في العلاقات معها سيكلف الولايات المتحدة الكثير من الفرص.
واختتم تورشين تصريحاته بالإشارة إلى أن الزيارة لم تُسفر عن تغييرات جذرية، لكنه لم يستبعد وجود “اختراق محدود” أو نقاط مضيئة يمكن البناء عليها مستقبلًا، وإن كانت غير كافية لتغيير الاتجاه العام الذي تسلكه الإدارة الأمريكية في تعاملها مع جنوب أفريقيا.
اقرأ المزيد
رامي زهدي يكتب : في ذكري يوم إفريقيا: نداء الاستقلال والنهضة المستدامة… نضال القارة نحو المستقبل