تصاعد للهجمات الإرهابية في مالي… وتحذيرات من تمددها إلى بوركينا فاسو والنيجر

في ظل تزايد العنف بمنطقة الساحل الإفريقي، تشهد مالي موجة متصاعدة من الهجمات الإرهابية التي باتت تهدد استقرار المنطقة بأسرها.
وفي ظل تراجع قدرات الجيش المالي وتفكك الدعم الخارجي، تتوسع الجماعات الجهادية الإرهابية بشكل منظم، مستغلة هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي، ما يثير مخاوف حقيقية من امتداد هذا التهديد إلى دول الجوار مثل بوركينا فاسو والنيجر.
وأمام تلك التطورات يطرح التساؤل حول ما إذا كان من المتوقع أن تزيد وتيرة تلك الهجمات وأن تستغل تلك الجماعات الإرهابية الأزمة السياسية بين كونفدرالية دول الساحل مع دول إيكواس ؟
خبراء في الشؤون الإفريقية والجماعات المتطرفه أكدوا أن تصاعد الهجمات الإرهابية في مالي وفي منطقة الساحل والصحراء بشكل عام يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتحولات السياسية والعسكرية التي شهدتها تلك الدول في السنوات الأخيرة، وفي مقدمتها الانقلابات العسكرية المتتالية , مشيرين إلي أنه من المتوقع أن وتيرة الهجمات الجهادية في مناطق وسط وشمال مالي تتجه نحو تصاعد ملحوظ خلال الفترة القادمة، في ظل مؤشرات ميدانية واضحة على ضعف وتراجع القدرات القتالية للقوات المسلحة المالية.
منير أديب: الانقلابات العسكرية في الساحل فتحت الباب أمام تصاعد الإرهاب

أكد منير أديب، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، أن تصاعد الهجمات الإرهابية في مالي وفي منطقة الساحل والصحراء بشكل عام يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتحولات السياسية والعسكرية التي شهدتها تلك الدول في السنوات الأخيرة، وفي مقدمتها الانقلابات العسكرية المتتالية.
وقال أديب: “في تقديري، إن تزايد الهجمات الإرهابية في مالي أو في دول الساحل والصحراء ليس مفاجئًا، بل هو أمر يبدو متسقًا مع الظروف الأمنية والسياسية التي تمر بها هذه الدول. فقد شهدت بعض هذه البلدان، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، انقلابات عسكرية، ورغم تنوع أسبابها، إلا أن نتائجها كانت واحدة: انسحاب عدد من القوات الدولية، وعلى رأسها القوات الفرنسية، التي كانت تضطلع بمهمة أساسية في مواجهة التنظيمات المتطرفة في هذه المناطق”.
وأشار إلى أن هذا الانسحاب ترك فراغًا أمنيًا واسعًا، استغلته الجماعات الإرهابية لفرض وجودها وتوسيع نشاطها. وأضاف: “صحيح أن من حق شعوب هذه الدول أن تحدد مصيرها وتقرر من يحكمها، ولكن في المقابل، فإن هذه القرارات كان لها انعكاسات عكسية خطيرة، تمثلت في عدم قدرة الحكومات الجديدة المنبثقة عن الانقلابات على مواجهة الإرهاب بمفردها، خصوصًا أنها كانت تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري واللوجستي المقدم من القوات الأجنبية، وخصوصًا الأمريكية والفرنسية”.
وأوضح أديب أن طبيعة الجماعات الإرهابية في هذه المناطق تجعل من مواجهتها مهمة صعبة ومعقدة، فهي تنظيمات عابرة للحدود، تمتلك قوة تنظيمية وتسليحية، وتستفيد من هشاشة الأمن الإقليمي وضعف قدرات الجيوش المحلية.
وأضاف: “في ظل غياب مواجهة حقيقية، تتنامى قدرات هذه التنظيمات المتطرفة، وتصبح أكثر قدرة على تنفيذ عمليات إرهابية أكبر وأوسع نطاقًا مما كانت عليه في السابق. فنحن أمام واقع مؤلم يتمثل في أن أغلب هذه الدول فقيرة اقتصاديًا، وتعاني من ضعف في معدلات التنمية، فضلًا عن هشاشة الأنظمة السياسية وعدم استقرارها، وكثرة الانقلابات العسكرية التي تعطل أي مسار ديمقراطي أو استراتيجي طويل الأمد لمواجهة التطرف”.
وشدد على أن هذه العوامل مجتمعة تخلق بيئة خصبة لنمو الجماعات المتطرفة، حيث يسهل استقطاب الشباب الفقير والجاهل إلى صفوف التنظيمات المسلحة، في ظل غياب فرص العمل وضعف التعليم والبنية التحتية، ما يجعل الشباب لقمة سائغة لأيديولوجيا التطرف.
وتابع قائلاً: “في مالي تحديدًا، تُعد الجماعات المتطرفة من أقوى التنظيمات الموجودة في القارة، ليس فقط من حيث التنظيم والهيكلة، بل أيضًا من حيث القوة الاقتصادية والتسليحية. فهذه التنظيمات لا تعمل فقط داخل الحدود المالية، بل هي مرتبطة بشبكات إقليمية أوسع، تستفيد من الحدود المفتوحة بين أغلب العواصم الإفريقية، مما يسهل عمليات الدعم العسكري واللوجستي المتبادل بينها وبين جماعات أخرى في دول مجاورة”.
وأشار إلى أن هذه التنظيمات تحصل على دعم مستمر من خلال تهريب الأسلحة والمقاتلين والموارد، ما يجعلها أكثر قوة من بعض الجيوش المحلية. كما أن بعض هذه الجماعات تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي، وتفرض ضرائب على الحركة بين المناطق، بل وتفرض رسومًا على دخول وخروج البضائع من وإلى البلاد، الأمر الذي يمكنها من جمع الأموال بطريقة ممنهجة.
وأضاف: “هناك أيضًا سيطرة مباشرة على مناجم الفحم، والمغنيسيوم، وغيرها من المعادن الثمينة، وتقوم هذه الجماعات ببيع منتجات تلك المناجم، مما يؤدي إلى طفرة مالية كبيرة في مواردها. هذه الوفرة الاقتصادية تنعكس بدورها على زيادة نشاط الجماعة، وارتفاع مستوى العمليات الإرهابية التي تنفذها، وقدرتها على التوسع والتجنيد وشراء الأسلحة”.
وأكد أن هذه التنظيمات لا تعتمد فقط على القوة المسلحة، بل تستغل الأدوات السياسية، مثل النزاعات بين بعض دول الاتحاد الإفريقي، والصراعات الكونفدرالية، واختلاف الرؤى بين الكتل الإقليمية، وهو ما يمنحها مساحات إضافية للتحرك والتوسع.
وشدد منير أديب على أن هذه الأوضاع تضع عبئًا كبيرًا على عاتق القارة الإفريقية والاتحاد الإفريقي، حيث لا يمكن ترك الدول التي تعاني من الإرهاب تواجه التنظيمات المتطرفة وحدها. وقال: “على الدول الإفريقية المستقرة سياسيًا، والتي نجحت في السابق في مواجهة الإرهاب، أن تمد يد العون إلى الدول الأضعف مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو والصومال ونيجيريا، وأن تقدم لها الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي اللازم لمجابهة هذه الأخطار”.
وختم أديب تصريحاته بالتأكيد على أن الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية بحاجة إلى معالجة جذرية للمشكلات السياسية التي تحول دون اتخاذ مواقف جماعية فعالة، مشيرًا إلى أن ترك الدول الفقيرة وحدها في مواجهة تنظيمات متطرفة تزداد قوة كل يوم، سيؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع الأمنية في القارة بأسرها، ويهدد مستقبل الاستقرار والتنمية في إفريقيا.
توشين : وتيرة الهجمات الجهادية تتجه نحو تصاعد ملحوظ
و قال الدكتور محمد تورشين، الباحث والخبير في الشؤون الإفريقية، في تصريح خاص لموقع “Afronews 24″، إن وتيرة الهجمات الجهادية في مناطق وسط وشمال مالي تتجه نحو تصاعد ملحوظ خلال الفترة القادمة، في ظل مؤشرات ميدانية واضحة على ضعف وتراجع القدرات القتالية للقوات المسلحة المالية.
وأوضح تورشين أن الأيام الماضية شهدت سلسلة من الهجمات الإرهابية المتكررة التي استهدفت مناطق متفرقة داخل البلاد، مشيرًا إلى أن أحد أبرز أسباب هذا التصعيد هو عدم التزام مالي بتنفيذ الاتفاقات المالية والعسكرية مع الجانب التركي، وهو ما انعكس سلبًا على أداء الجيش المالي في مواجهة التهديدات المتزايدة.
وأضاف أن هناك تراجعًا واضحًا في الدعم المقدم من بعض المجموعات المسلحة التي كانت سابقًا تقف إلى جانب الجيش المالي، في الوقت الذي نشهد فيه تقدمًا وتماسكًا ملحوظًا داخل صفوف التحالفات الجهادية، خاصة في المناطق الوسطى من البلاد، ما يمنح تلك الجماعات أفضلية ميدانية خطيرة.
وشدد الدكتور تورشين على أن استمرار هذه التطورات قد يؤدي إلى تعقيد المشهد الأمني بشكل كبير جدًا، وإن لم تتمكن قوات الجيش المالي من التصدي لهذا التصعيد، فإن الخطر قد يمتد ليصل مجددًا إلى دول الجوار مثل بوركينا فاسو والنيجر، مشيرًا إلى أن دول الساحل الثلاث تواجه حاليًا تحديًا مصيريًا في مواجهة المد الجهادي.
وتساءل تورشين عما إذا كانت هذه الدول ستتجه نحو إعادة التنسيق والتحالف مع مجموعة دول الإيكواس، أم أنها ستلجأ إلى الاستعانة بقوى خارجية جديدة تكون أكثر فعالية في مواجهة تمدد الجماعات المسلحة، خاصة في ظل الاتهامات السابقة الموجهة لفرنسا بأنها لم تكن جادة أو حاسمة في محاربة هذه التنظيمات الإرهابية.
واختتم تصريحه قائلاً: ” يجب أن ندرك أن هذه الجماعات ليست مجرد ميليشيات عشوائية، بل هي تنظيمات تمتلك قدرات عسكرية هائلة وتعتمد بشكل كبير على استراتيجيات حرب العصابات. كما أنها تحظى بدعم اجتماعي واسع النطاق في بعض المناطق، لا سيما بين الشرائح التي تعاني من تهميش سياسي واضطهاد اقتصادي في وسط وشمال مالي. كل هذه العوامل مجتمعة تهيئ بيئة خصبة لاستمرار وتصاعد النفوذ الجهادي في منطقة الساحل الإفريقي.”
إقرأ المزيد :
الإرهاب يطلّ برأسه مجددًا من “مثلث الموت ” في الساحل الأفريقي: تصاعد دموي لهجمات داعش يثير التساؤلات