أخبار عاجلةمصر

اليوم ذكرى وفاة الشيخ الشعراوي.. إمام الدعاة الذي أنار القلوب بعلمه

القاهرة  /أ ش أ/كتبت: رانيا عادل

في مثل هذا اليوم السابع عشر من يونيو عام 1998، خيم الحزن على قلوب المصريين والعرب برحيل صوت يملأ البيوت نورا وطمأنينة ، وواحد من أعظم علماء الأمة الإسلامية في العصر الحديث، الشيخ محمد متولي الشعراوي ، تاركا خلفه تراثا علميا وروحيا لا ينسى .
الشعراوي الذي في 15 أبريل 1911 بقرية دقادوس التابعة لمحافظة الدقهلية، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ثم التحق بالأزهر الشريف ودرس علوم اللغة والفقه والشريعة ، حتى حصل على شهادة العالمية في اللغة العربية (معادلة للدكتوراه) مع إجازة التدريس عام 1943.
ويروي د.محمد جامع صديق الشعراوي تفاصيل ميلاده قائلا: ” رأى والد (الشعراوي) في منامه “كتكوتا” يقف على منبر المسجد يخطب ويفسر ، وقد فسرت رؤياه آنذاك بأن ابنه سيكون له شأن عظيم وسيصعد المنبر أمام الناس كلها “..مضيفا أن والد الامام الراحل لم يكن عالما أزهريا لكنه امتلك بصيرة نافذة ورؤية عميقة نحو مستقبل ابنه ، ورغم أن الشعراوي الصغير لم يكن متحمسا في البداية للالتحاق بالأزهر ، أصر والده على إرساله إلى رحابه مدفوعا بإيمان راسخ بأن العلم هو أعظم إرث يمكن أن يورثه الأب لابنه.
وعن نشأة الشعراوي في بيئة محبة للثقافة والعلوم ، يقول الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف – في أحد لقاءاته- إن والد الشعراوي أصر إصرارا بالغا على حفظه لكتاب الله، وقد أتم حفظه كاملا في عامه العاشر. وكان يقول له : “لو حفظت قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي، فلك عندي خمسة قروش عن كل قصيدة ” -والتي كانت تُنشر في كبرى الجرائد المصرية في ذلك الوقت – ..موضحا أن والده كان صاحب بصيرة، ورجلا صالحا، وقد صمم أن يمضي به في طريق العلم ، بالرغم من رغبة الشعراوي في مشاركة والده الزراعة.
ومنذ صغره كان يحب الشيخ الشعراوي اللغة العربية وأجاد استخدامها مما أهله ليكون أحد أبرز المفسرين في العالم العربي ، ولم يكمن سر تأثيره في علمه وحده بل في أسلوبه الفريد ؛ فقد تحدث إلى الناس بلغتهم وضرب الأمثال من واقعهم وربط الآيات بالحياة اليومية .
وتقلد إمام الدعاة خلال حياته العملية العديد من المناصب ، وقد بدأ مسيرته عقب تخرجه مدرسا في معاهد الأزهر ، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية عام 1950 في بعثة تدريسية ليعمل استاذا بالشريعة في جامعة أم القرى بمكة، وهناك ازدادت شهرته، وأقبل الطلاب من مختلف الجنسيات على حلقاته العلمية ، ثم عين في القاهرة مديرا لمكتب شيخ الأزهر الشريف الشيخ حسن مأمون عام 1964، ورئيسا لبعثة الأزهر في الجزائر عام 1966 ، وحين عاد تم تعيينه مديرا لأوقاف محافظة الغربية ،ثم وكيلا للأزهر ، وعاد ثانية إلى السعودية حيث قام بالتدريس (استاذا زائرا) بجامعة الملك عبد العزيز عام 1970.
وفي نوفمبر 1976 تولى العالم الجليل منصب وزير الاوقاف وشؤون الأزهر ضمن التشكيل الحكومي بمصر ، وكان أول من أصدر قرارا وزاريا بإنشاء أول بنك إسلامي في مصر وهو (بنك فيصل) ، ثم عين عضوا بمجمع البحوث الإسلامية ، وفي عام 1980 اختير عضوا بمجلس الشورى بجمهورية مصر العربية ، وعرضت عليه مشيخة الأزهر وعدة مناصب في العديد من الدول الإسلامية لكنه رفض وقرر التفرغ للدعوة الإسلامية .
وكان إمام الدعاة الوحيد من خارج السعودية الذي ألقى خطبة يوم عرفة عام 1976، حيث استهل خطبته الشهيرة وسط ملايين الحجاج، ثم انطلق في الحديث عن أفضال يوم وقفة عرفات وصيامه لدى المسلمين، كما ألقى خطبا في أكبر منابر العالم ، من بينها خطبة الجمعة في المسجد الملحق بمبنى الأمم المتحدة بنيويورك .
وبرز الشعراوي داعية إسلاميا عام 1973 عندما قدمه التلفزيون المصري في برنامج “نور على نور” للأستاذ أحمد فراج، وقد ظل الضيف الدائم فيه ، مفسرا للقرآن الكريم على مدى عشر سنوات ، كما عرفه الناس من خلال برنامجه الشهير “خواطر الشعراوي”، الذي بدأ في السبعينات واستمر لعقود، يفسر فيه آيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط وبليغ يمزج بين الفهم العميق والعقلية الواعية وبين الدين والحياة ليقترب من الناس ويخاطب قلوبهم.
وحصل الامام الشعراوي على العديد من الجوائز والتكريمات أبرزها : وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1976 ، وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1983، وسام الجمهورية وجائزة الدولة التقديرية عام 1988 ، والدكتوراه الفخرية في الآداب من جامعتي المنصورة والمنوفية ، واختارته جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم كشخصية العام الإسلامية في دورتها الأولى عام 1998 .
وترك عشرات الكتب الدينية التي تناولت التفسير، والسيرة، والعقيدة، أبرزها “الاسراء والمعراج “، “الفتاوى”، “معجزة القرآن “،”الطريق إلى الله”، و”على مائدة الفكر الإسلامي”، و”الإسلام والفكر المعاصر”، و”الشورى والتشريع في الإسلام ” و” الاسلام والمرأة” ، كما جمعت حلقات خواطره في مجلدات تعد من أشهر ما كتب في التفسير المعاصر.
وفي 17 يونيو 1998، رحل الشيخ بهدوء في منزله، بعد أن نطق الشهادتين، تاركا وراءه جنازة مهيبة خرجت من قريته دقادوس، شارك فيها الآلاف من محبيه ، وبحسب رواية ابنه رفض الشيخ العلاج في أيامه الأخيرة قائلا : “دي أيام ربنا كتبها، والأعمار بيد الله” ، وقد كتب على قبره وصيته (هذا مقام العبد الفقير إلى الله محمد متولي الشعراوي)
وسيبقى الشيخ محمد متولي الشعراوي رمزا من رموز النور والفكر والعلم في العالم الإسلامي رغم رحيله، رجل لم يعش لنفسه بل عاش لله وترك وراءه علما لا يحصى وأثرا حاضرا في كل بيت وكلمات لا تزال تسكن القلوب ، وبينما يتغير الزمن وتختلف الأجيال، تبقى “خواطر الشعراوي” نبراسا يهدي القلوب ويروِي الأرواح.

 

إقرأ المزيد :

الصومال: سيرة ومسيرة العالم والفقيه الشيخ “عثمان خديج”

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »