الدكتور ذيب القراله يكتب : الاختراق الاستخباري.. أرشيف المخابرات السورية نموذجا!!

فتحت نتائج الحرب الإسرائيلية – الإيرانية وخاصة في أيامها الأولى ( شهية وعيون وقلوب وآذان ) دول وأجهزة وشعوب وأفراد ،، لمعرفة ( شكل وحجم وأدوات ) الاختراق الاستخباري الإسرائيلي ( غير المسبوق ) للساحة الإيرانية ، والذي شكل مفاجأة من العيار الثقيل لجميع الأطراف .
وقبل أسابيع من بدء الضربات المتبادلة بين الجانبين ،كانت كل من طهران وتل ابيب ، قد أعلنتا عن تحقيق ( انجازات مخابراتية )،، فيما ربما تكون دول أخرى قد حققت بالخفاء ( اختراقات ) استخبارية كبرى على ( جبهة سوريا ).
وبطريقة استعراضية، أعلنت إسرائيل إنها استعادت ( بعملية سرية معقدة بالتعاون مع جهاز استخباري حليف) ارشيف جاسوسها الشهير ( إيلي كوهين )،،، فيما أعلنت ايران أنها امتلكت ( كنزا استخباريا ثميناً ) من أسرار اسرائيل الخفية في عملية سرية واسعة النطاق.
إن المطلع على أبسط قواعد عمل الاستخبارات ، يدرك بكل بساطة ، أن الحصول على هذه ( الكنوز الاستخبارية ) يتطلب التعامل معها ( بالكتمان ) وليس ( الإعلان ) ، وأن ( الأسرار ) تفقد قيمتها ( الإستراتيجية ) في حال معرفة ( الطرف الأخر ) بها ، لأنه بالتأكيد سيبدأ فورا ، بتغيير خططه وأساليبه ومصادره ، وبنك أهدافه ، وصولا إلى اكتشاف ( الثغرة ) التي تم اختراقه بسببها.
ولذلك يمكن الجزم بأن الإعلانيين الإسرائيلي والإيراني كانا بعيدان عن أية عملية نوعية احترافية ذات تأثير مستقبلي فعًال، وأنهما يدخلان في إطار ( الحرب النفسية ) و ( البروباغندا الإعلامية ) بهدف تحقيق أمرين ،، الأول رفع الروح المعنوية للجبهة الداخلية لكل منهما ، وإيصال ( رسائل تهديد ) للأطراف الأخرى بشأن قدرتهما الاستخبارية ، واحتمالية استخدام ما يملكانه من معلومات ضدها، عندما تدعو الحاجة لذلك.
واللافت أن وسائل الإعلام العربية ، تعاطت مع الحدثين ، وكأنهما حقائق ثابتة، فكررت مضامينهما عشرات المرات ، دون أن تخضعهما للتحليل والبحث والتفسير والاستنتاج ، مما يكرس فكرة أن القاريء والمشاهد العربي أصبح ( متلقي جيد ) ، و ( متأثر بامتياز ) ، و ( محلل ضعيف ) مما يسهل عملية التأثير في قناعاته وافكاره وبالتالي ردود افعاله.
وبعد ساعات من إعلان وقف اطلاق النار بين تل أبيب وطهران ، أكدت مصادر اسرائيلية أن الحرب السيبرانية و الاستخبارية سوف تستمر ضد إيران ، وأن هذا الأمر لا يُعد خرقا لوقف إطلاق النار ،فيما عُلم أن إيران بدأت بشكل فوري ( بمساعدة من الصين ) باستحداث جهاز أمني جديد هدفه الأساسي مكافحة الاختراق الإسرائيلي للساحة الإيرانية، التي يتردد أن هناك حوالي ٧٠٠ مواطن إيراني، ومثلهم من الأجانب يخترقونها لصالح الموساد الإسرائيلي .
إن حجم الاختراق الإسرائيلي لإيران ، يجب أن يقرع جرس الإنذار في جميع العواصم العربية، التي ربما تتفاجأ يوما ما أنها كانت ( نائمة بالعسل ) فيما إسرائيل تعمل ضدها بصمت وتخلخل بنيانها من الداخل.
وبناء على ذلك فإن اجراء مراجعة فورية من قبل جميع الدول العربية بلا استثناء ( لخططها العسكرية وبنيتها الأمنية، وتحصين مؤسساتها واجهزتها ) انطلاقا من فرضية أن هناك ( اختراقا ما ) هو أمر مُلحّ وطاريء وعاجل ،لا يقبل التأجيل .
ويجب أن لا نستبعد ( بعد أن انتهت الجولة الأولى من الحرب مع إيران ) أن تقوم إسرائيل بالتحرش ( سياسيا وأمنيا ) بدولة عربية هنا أو أخرى هناك ، في أي وقت وتحت أي مبرر ، عندما تجد أن هذا الأمر يخدم مصلحتها واجنداتها ومشاريعها التوسعية.
وفي هذا السياق، يخطر على البال سؤال حول( أرشيف المخابرات السورية ) بعد سقوط نظام بشار الأسد ومن يمتلكه الآن ،، وهل هو في حوزة السلطة الجديدة في دمشق أم انه نُقل إلى اطراف ثالثة ومن هي ؟ وما تأثيره خلال المرحلة المقبلة ، كونه بالغ الخطورة والاستراتيجية، خاصة إذا ما استخدمت مضامينه كوسيلة تهديد وابتزاز ومقايضة إقليمية ودولية.
وتكمن خطورة امتلاك هذا الأرشيف في أن الجهات التي تسيطر عليه تستطيع كشف علاقات النظام السابق الخفية وتعاملاته داخليا وخارجيا ، مما يُمكن المسيطر عليه من ابتزاز الخصوم الإقليميين والدوليين.
ومن المنطقي أن يحتوي الأرشيف التراكمي ( الذي يزيد عمره عن ٥٥ عاما ) على معلومات حول التعاون الأمني السري بين النظام السوري ، وأجهزة ودول عربية وغربية ،وحركات وتنظيمات إرهابية.
ومما لا شك فيه أن من يمتلك أرشيف المخابرات السورية (سواء حصل عليه كمقايضة لمواقف سياسية ودعم لوجستي ، أو اشتراه بالمال ) يستطيع أن يفاوض به دولا أخرى ويفرض نفسه لاعباً في مستقبل سوريا.
وتتمثل الأسباب الاستراتيجية التي تدعو بعض الدول للحرص على امتلاك مثل هذا الأرشيف أو جزء منه ، بالحماية الذاتية ، خشية أن يحتوي الأرشيف على ملفات حساسة عن اتصالات سابقة لهذه الدولة مع النظام السوري أو الجماعات المسلحة.
وفيما يخص النفوذ الإقليمي فإن امتلاك وثائق من الأرشيف يعني ابتزاز خصوم وفرض مقايضات في التسوية السورية ، وصراع النفوذ فيها.
وفي البُعد الدولي فإن تسليم نسخ أو أجزاء من الأرشيف لأجهزة استخبارات غربية (امريكا ، بريطانيا، ألمانيا) يمكن أن يضع الدولة التي تمتلكه في موقع الشريك الأمني والراعي المؤثر في مستقبل سوريا.
ومن المرجح أن تكون واحدة من هذه الدول ( تركيا ، قطر ، روسيا ، إيران ) قد حصلت على نسخة من أرشيف المخابرات السورية من خلال علاقتها الوثيقة بالنظام السابق ، أو بهيئة تحرير الشام، بعد سيطرتها على دمشق ، إما مباشرة أو عبر طرف ثالث محسوب عليها.
و حول احتمالية قيام النظام السوري السابق باتلاف ارشيفه الأمني قبل سقوطه، تشير تجارب الدول المنهارة ( العراق، ليبيا ، المانيا الشرقية ، رومانيا ) إلى أن امكانية حصول إتلاف كامل شامل وسريع للأرشيف ضعيفة جدًا وغير عملية لوجستيًا في ظل فوضى السقوط.
أما تهريب الأرشيف إلى الخارج (إيران أو روسيا) قبل السقوط فإنه أمر محتمل على اعتبار أن هذه الخطوة تعتبر بالنسبة للنظام ، وسيلة للحماية والتفاوض لاحقًا، لكن الأمر المؤكد هو احتفاظ أفراد نافذين من أبناء النظام بنسخ من الأرشيف من أجل النجاة الشخصية أو المساومة مستقبلًا.
ويشير السيناريو الواقعي في حالة سوريا إلى أن الأرشيف سقط بيد بعض الفصائل المسلحة كهيئة تحرير الشام ، الجيش الوطني، الجبهة الجنوبية أو تم نهب جزء منه من قبل جماعات محلية ربما قامت أو ستقوم ببيعه ، وسيتم تسريب أجزاء منه لأغراض ابتزاز شخصي أو سياسي.
بناء على ذلك ، فمن غير المستبعد أن نشهد خلال الفترة القادمة ( بعد انتهاء عمليات فرز ملفات الأرشيف وتصنيفها وفك طلاسمها وشفراتها ودراسة سُبل استغلالها ) عمليات ( تسريب مبرمجة ) في وسائل إعلام اجنبية لمعلومات تدين هذه الدولة او تلك أو تحرجها ، أو تؤثر على علاقاتها بالدول الأخرى ، أو تكشف تفاصيل تخص جهات في المعارضة السورية، بهدف حرقها وتشويهها، وذلك بهدف تصفية الحسابات ، أو تحقيق مكتسبات وأغراض سياسية.
* الدكتور ذيب القرابه .. كاتب وإعلامي أردني.
اقرأ المزيد