إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية: انعكاسات قرار إدارة ترامب على القارة الإفريقية

واشنطن – afronews24
في خطوة تُعدّ من أكثر الخطوات إثارة للجدل في السياسة الخارجية الأمريكية، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إنهاء عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، لتطوي بذلك صفحة ستة عقود من العمل التنموي والإنساني الذي شمل أكثر من 100 دولة حول العالم. ويأتي هذا القرار في إطار سياسة “تقليص حجم الحكومة الفيدرالية”، التي تبنتها وزارة كفاءة الحكومة التي أنشأها الملياردير إيلون ماسك بالتعاون مع إدارة ترامب
الصومال .. تحطم طائرة عسكرية تابعة لقوات الاتحاد الأفريقي ولا خسائر في الأرواح
من كينيدي إلى ترامب: نهاية حقبة
تأسست الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 1961 بأمر من الرئيس جون كينيدي، بموجب قانون المساعدات الخارجية الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي. وعلى مدى أكثر من 60 عامًا، لعبت الوكالة دورًا محوريًا في مكافحة الفقر، ودعم الديمقراطيات الناشئة، والنهوض بأنظمة التعليم والصحة في الدول النامية، وفي مقدمتها القارة الإفريقية.
ساهمت الوكالة بشكل مباشر في إنجاح الثورة الزراعية الخضراء التي يُنسب إليها إنقاذ أكثر من مليار إنسان من المجاعة، فضلًا عن شراكاتها مع المنظمات الدولية والمحلية في الحد من وفيات الأطفال دون سن الخامسة بنسبة 69% منذ عام 1990، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
تقليص تدريجي انتهى بالإغلاق
بدأت إدارة ترامب في تقليص تمويل الوكالة بشكل تدريجي منذ بداية ولايته الأولى، معتبرة أن برامج المساعدات الخارجية لا تخدم “المصلحة الأمريكية المباشرة”، وهو ما ترجم في قطع أو تقليص التمويل عن برامج حيوية تتعلق بالصحة والتعليم والمياه والزراعة والطاقة في أكثر من 40 دولة، بينها دول إفريقية تعتمد بشكل شبه كلي على دعم الوكالة.
وفي بيان أصدره البيت الأبيض، تم التأكيد على أن هذا الإغلاق “جزء من إصلاح هيكلي كبير يهدف إلى جعل الحكومة أكثر كفاءة وأقل اعتمادًا على البيروقراطية”، بينما أكد مسؤولون في وزارة كفاءة الحكومة أن “الولايات المتحدة تحتاج إلى إعادة النظر في الطريقة التي تنفق بها أموال دافعي الضرائب”.
التداعيات على إفريقيا: صدمة إنمائية
شكل قرار الإغلاق صدمة عميقة في إفريقيا، حيث كانت USAID من أبرز شركاء التنمية. ففي إثيوبيا وكينيا وأوغندا ونيجيريا، موّلت الوكالة مئات المشاريع الزراعية والصحية والتعليمية، وأسهمت في توفير المياه النظيفة وتحسين أنظمة الصرف الصحي، وتعزيز جاهزية الدول الإفريقية لمواجهة الجوائح والأوبئة.
يقول الدكتور إيمانويل نغوما، الخبير التنموي في جامعة كيب تاون:”غياب الوكالة يمثل خسارة لا تُعوض. لقد كانت USAID لاعبًا أساسيًا في برامج القضاء على الملاريا، وتحسين صحة الأمهات، ودعم رواد الأعمال الشباب. أفريقيا ستشعر بفراغ هائل في السنوات القادمة.”
أمثلة على تأثيرات مباشرة:
في السنغال: تم تعليق برنامج مكافحة سوء التغذية الذي كان يُغطي أكثر من 400 ألف طفل.
في زامبيا: توقفت برامج التوعية الصحية المجتمعية، مما أثر سلبًا على معدلات التحصين للأطفال.
في نيجيريا: تعثر مشروع دعم التعليم الابتدائي في الولايات الشمالية، حيث كان التمويل الأمريكي يغطي ما يزيد عن 60% من النفقات التشغيلية.
في الصومال وجنوب السودان: توقف الدعم اللوجستي والإغاثي أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء والنزوح الداخلي.
انتقادات وتحذيرات
أثار القرار انتقادات حادة من قبل منظمات دولية وشخصيات دبلوماسية أمريكية سابقة، من بينها سامانثا باور، المديرة الحالية للوكالة التي تم إنهاؤها، والتي صرحت:”إغلاق USAID ليس فقط قرارًا قصير النظر، بل يبعث برسالة سلبية للعالم عن التزام أمريكا بمسؤولياتها الإنسانية.”
كما حذر الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون من أن “انسحاب الولايات المتحدة من المشهد التنموي العالمي قد يفتح المجال أمام قوى أخرى ذات أجندات غير إنسانية”.
ماذا بعد USAID؟
حتى الآن، لم يتم الإعلان عن بديل رسمي للوكالة في ظل التغييرات الهيكلية، لكن مؤسسات مانحة أوروبية وآسيوية بدأت توسع حضورها في إفريقيا لسد الفراغ. غير أن المراقبين يشككون في قدرة أي جهة على تعويض الخبرة والموارد التي كانت تمتلكها USAID.
ويمثل إنهاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لحظة مفصلية في تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة والدول النامية، خاصة في القارة الإفريقية التي لطالما كانت في صلب الاستراتيجية التنموية الأمريكية. وبينما تسعى الدول الإفريقية الآن لتدارك الآثار، يُخشى أن يكون القادم أكثر صعوبة في ظل عالم يعاني من أزمات اقتصادية وصحية متزايدة، وفراغ دولي في التزامات التنمية طويلة الأمد.