أخبار عاجلةالرأي

الكاتبة التونسية اسيا العتروس تكتب : فرانشيسكا ألبانيز صوت الحقيقة في زمن الدعارة السياسية

اقتصاد الإبادة الجماعية سلاح آخر من أسلحة كيان الإحتلال لضمان استمرار الحرب على غزة ومعها ضمان تدفق عائدات القتل اليومي على الشركات و المؤسسات ورؤوس الأموال التي تستثمر في موت الفلسطينيين و تعزز أرصدتها البنكية في معاملات على أساس جبال من أشلاء الضحايا ..و هذا ما فضحه التقرير الأخير لفرانشيسكا ألبانيز الذي أثار غضب البيت الأبيض و حليفه الإسرائيلي و دعا إلى إقالتها من منصبها كمقررة أممية خاصة لحقوق الإنسان في فلسطين .. و لو كان بإمكان ترامب و نتنياهو حجب التقرير و منعه من التدوال لفعلا ذلك دون تردد .

لا خلاف في أن من التقى المسؤولة الأممية فرانشيسكا ألبانيز و عرف هذه المحامية الايطالية الأصل و الحقوقية الهوى عن قرب وخبر مواقفها الواضحة و الصريحة المساندة للحق الإنساني و للحق الفلسطيني الفلسطيني دون خوف أو تردد يدرك جيدا أنها امرأة من طينة خاصة لا تخضع للمزايدات و الابتزازات ولأنصاف المواقف , ولاشك أن ألبانيز تبقى أحد الأمثلة الإستثنائية في زمن العمالة و الدعارة السياسية الرسمية .

ومن هذا المنطلق لم يكن التقرير الذي قدمته فرانشيسكا ألبانيز المقررة الدولية الخاصة بفلسطين أمام مجلس حقوق الانسان في جنيف على امتداد الإبادة الجماعية في غزة الأول من نوعه فقد سبقته تقارير كثيرة تفضح و تستنكر و تحذر من تفاقم الإبادة , إلا أن التقرير الأخير الذي صدر تحت عنوان “من اقتصاد الإحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية”، و الذي حدد الأطراف التي ترفض إنتهاء الحرب وتواصل الإستثمار في دماء و أشلاء الضحايا كان الأكثر إزعاجا واحراجا واستنكارا للحليفين إسرائيل وأمريكا التي طالبت بإقالة وطرد المقررة الدولية والمحامية الإيطالية التي فضحت الأطراف التي لا تريد إنهاء الحرب وقدمت تفاصيل دقيقة حول عشرات الشركات التي تستثمر في هذه الحرب و تراكم الثروات وتعزز أرصدتها البنكية على وقع سقوط مزيد الضحايا. التقرير الذي اشتمل على سبع و عشرين صفحة استند إلى أكثر من 200 بلاغ من دول و منظمات حقوقية و شركات و أكاديميين وجهت أصابع الاتهام بوضوح إلى شركات بتحقيق الأرباح و دعم نظام فصل عنصري .

ألبانيز جددت اتهامها لكيان الإحتلال بالمسؤولية في واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث معتبرة أن غزة اليوم تعني الجحيم على الأرض ..لم تجانب ألبانيز الصواب في اشارتها في تقريرها إلي الظروف الاقتصادية التي تُمكّن إسرائيل من تهجير الفلسطينيين قسرا بكل الطرق المتاحة من تدمير وعزل و تجويع .

و يبدو أن ألبانيز ذهبت بعيدا في فضح و تعرية ما يعرف بمؤسسة غزة الإنسانية التي تحولت إلى مصيدة للفلسطينيين في رحلة البحث عما يسد الرمق لطرد الجوع كل ذلك بهدف إجبار سكان يتضورون جوعا على الفرار.

خلصت ألبانيز الى أن معاناة سكان غزة تفوق الوصف، وأن أكثر من 200 ألف فلسطيني فقدوا أرواحهم أو أصيبوا، وفقا للأرقام الرسمية، و حذرت من انتقال الحملة العسكرية الإسرائيلية إلى الضفة حيث يواجه الفلسطينيون أكبر موجة نزوح قسري منذ عام 1967. فيما تختنق الضفة 900بسبب أكثر من 900 نقطة تفتيش تعيق الحياة .

الأخطر في كل ذلك و ما يمكن أن يغيب عن الأذهان أن إسرائيل استغلت الإبادة الجماعية لاختبار أسلحة جديدة وتقنيات مراقبة وتقنيات حربية مثل الطائرات المسيرة في غزة ، ألبانيز كشفت عن قائمة تضم عشرات الشركات التي استثمرت في الحرب و فازت بصفقات تطوير و ابتكار للأسلحة و من ذلك فوز شركة ‘إلبيت سيستمز’، بجائزة الابتكار من وزارة الحرب الإسرائيلية، بينما استفادت شركة ‘لوكهيد مارتن’ وشبكة عالمية تضم 1650 شركة أخرى من تحليق إسرائيل بطائراتها المقاتلة من طراز إف-35 في وضعية الوحش لأول مرة، وحملها ما يصل إلى 22 ألف كيلوغرام من الذخيرة، أي أربعة أضعاف ما كانت عليه عند تشغيلها في وضعية التخفّي”.

وشددت ألبانيز على أن العديد من شركات الأسلحة حققت أرباحاً قياسية من خلال تسليح إسرائيل، مشددة على أن كل دولة تتحمل مسؤولية الابتعاد تماماً عن “اقتصاد الاحتلال الذي تحول إلى اقتصاد إبادة جماعية” وإنهاء علاقتها به.

واتهم تقرير ألبانيز أكثر من 60 شركة، من بينها “مايكروسوفت” و”أمازون” وشركات أسلحة، بـ”الضلوع في دعم المستوطنات الإسرائيلية وحرب الإبادة على غزة”.و هو ما اعتبرته هذه الشركات حربا اقتصادية ضد الشركات الأميركية والعالمية.

ألبانيز التي لم تتردد في وضع الاصبع على الداء خلصت إلى أن ما يحرك هذه الشركات هو الربح مهما كان الثمن بما يعني أن في استمرار الحرب ضمان لاستمرار تدفق الارباح لهذه الشركات التي ترتبط بمسار التمييز العنصري وتراهن على عدم توقف الحرب وعلى تطوير ما لديها من عتاد و آلة عسكرية تساهم في تدمير غزة ..

وفي قناعتنا أن في مطالبة ألبانيز بمسائلة مديري هذه الشركات أمام العدالة الدولية كان النقطة التي أفاضت الكأس بالنسبة للشركات و الأطراف التي تدفع الى استمرار الحرب رفضا لأي محاولة مستقبلا لمحاسبة أو مسائلة أو ملاحقة هذه الأطراف … هناك مسألة واضحة و هو أنه لا قدرة للدول الأوروبية أو العربية أو الإسلامية أو الأفريقية أو غيرها لإنهاء الإبادة و كل الاحصائيات اليومية عن آلاف الضحايا في غزة ليست أكثر من أرقام تؤسس بيانات الإدانة الباهتة و تجمع الاعلاميين والمحللين و السياسيين في البلاتوهات الإخبارية لإفراغ جعباتهم و تقديم ما لديهم من أراء. الحقيقة المؤلمة أن العالم كله يقف بانتظار موقف أمريكي للرئيس ترامب يأبى أن يأتي و كأن إبادة أكثر من خمسين ألف مدني في الضفة و كل الخراب و الدمار الحاصل ليس سببا كافيا لإنهاء الحرب التي تحولت و منذ البداية إلى مشروع ربحي لأصحاب الشركات و تجار السلاح والبشر لجمع المزيد .

يبقى الأهم فيما تضمنه هذا التقرير من حقائق مرعبة و من تفاصيل موثقة عن فصيلة من تجار البشر يعتبرون أنفسهم من المستثمرين و لكنهم مستثمرين في دماء الفلسطينيين بما يعني أنه سيتعين رصد و توثيق ما ورد في التقرير و إضافتة إلى تقارير حقوقية سابقة ستشكل قريبا و دون أدنى شك وثيقة إدانة صلبة إلى جانب كل الوثائق التي في عهدة العدالة الدولية التي سيتعين أن تتحرك و أن تكون أكثر حرصا على مصداقيتها ومكانتها و مسؤوليتها في الانتصار للقانون الدولي وللعدالة الدولية .

صوت ألبانيز يبقى في هذه المحنة الفلسطينية صوت سيسجل له التاريخ أنه لم ينكسر في أعقد وأخطر المراحل بما يعني أنه رغم كل القتامة و البؤس و اليأس الذي نغرق فيه هناك ضوء في نهاية النفق .

* اسيا العتروس .. كاتبة و صحفية تونسية .

 

اقرأ المزيد

مصر .. الحكومة تناقش الآليات المقترحة لتطبيق القواعد المنظمة لقانون الإيجار الجديد

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »