الكاتبة التونسية اسيا العتروس تكتب : خطة ترامب .. الشيطان يكمن في التفاصيل .. و التفاصيل ملغمة

يصح في وصف مخرجات خطة ترامب – نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة ما قاله الراحل غسان كنفاني “يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كسرة ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم ” .. و ترامب يريد من العالم أن يشكره على خطته التي تنكر على غزة الحق في أن تكون جزءا من فلسطين المحتلة وأن ترتبط بالضفة الغربية وأن يكون للشعب الفلسطيني وحده الحق في تقرير مصيره .
غزة و بدل أن تشهد إنهاء حرب الإبادة و ملاحقة مجرمي الحرب الذين قتلوا عشرات الآلاف في الأهالي ستكون تحت وصاية “مجلس للسلام “يقوده ترامب و معه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عراب حرب العراق الذي يتمعش منذ نحو عقدين من خطته كمستشار لبعض الأنظمة العربية التي تعول على خبرته و دراساته الاستراتيجية ، تكون غزة وفق خطة ترامب تحت وصايته .
خطة ترامب إن أمكن لها أن ترى النور وتطبق على أرض الواقع هي قرار الأقوى على الأضعف في غياب أدنى مقومات التوازن المطلوب وقبولها من أطراف عديدة لا يعني انها خطة ناجحة أو عادلة ويمكن أن تنهي الإبادة وتضع حدا للاحتلال أصل الداء و سبب الصراع الدموي في الشرق الأوسط .
ترامب معني بهدفين إرضاء نرجسيته وتعاليه والتسويق لشخصه على أنه عراب السلام و رجل الصفقات في العالم و الهدف الثاني انقاذ نتنياهو من نفسه وكسر العزلة من حوله بعد صحوة شعوب العالم التي باتت تطالب بإنهاء الإبادة ووضع حد للاحتلال و ملاحقة مجرمي الحرب في كيان الإحتلال ، و طبعا التصدي بطريقة مختلفة لتسونامي الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية بعد فضح الوجه الحقيقي لنتنياهو وأهدافه في غزة .
خطة ترامب بالاضافة إلى ما سبق تكافئ نتنياهو وعصابته على الإبادة ولا تعيد لغزة وأهلها ما سلب منهم.. و كلام ترامب الجميع عن إعادة إعمار غزة و تحويلها إلى مكان جميل لا يلغي حقيقة الاحتلال …
ساعات بعد الندوة الصحفية التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحليفه نتنياهو لإعلان خطته لإنهاء الحرب في غزة عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لم تسقط عنه صفة مجرم الحرب ليؤكد عدم قبوله بقيام دولة فلسطينية في إطار الاتفاق و التبجح بنجاحه في قلب الأوضاع و عزل حماس و جعل العالم يضغط على الحركة لقبول الشروط الإسرائيلية لوقف الحرب بغزة مع بقاء الجيش في معظم القطاع.
طبعا كان من الغباء توقع اتفاق يقوده ترامب و نتنياهو على غير ما تم إعلانه و كان من السذاجة الاعتقاد أننا ازاء خطة عادلة لإنهاء الاحتلال و اقرار حق الشعب الفلسطيني في السيادة وفق ما تقره الشرعية الدولية و العدالة الدولية العرجاء ..
نتنياهو خرج أيضا مكابرا ليعلن بأن قواته باقية في أغلب مناطق غزة و هو بالتأكيد يجد في تولي ترامب و بلير رئاسة مجلس السلام المرتقب في حال قبول حماس خطة الرئيس ترامب ما يعزز مخططاته و أهدافه في غزة و في منطقة الشرق الاوسط ..
هذا الموقف لرئيس الوزراء الاسرائيلي من شأنه أن يؤكد أن نتنياهو لن يتوقف عن المناورة للتنصل من خطة العشرين نقطة التي يصح وصفها بالجائرة و الظالمة للشعب الفلسطيني و لعقود طويلة من التضحيات الجسام و الدماء و الاراح .. و قبل حتى مغادرته واشنطن يقول نتنياهو “نحن نعارض بشدة قيام دولة فلسطينية، وقد قال الرئيس ترامب إنه يتفهم ذلك، وبالطبع لن نوافق عليه”.. وفي ذلك ما يؤكد أن الصحوة التي هبت على شعوب العالم و جعلتها تستنفر ضد الإبادة و ضد الاحتلال وتطالب بملاحقة و محاكمة مجرمي الحرب في إسرائيل. نتنياهو أشار إلى أن ترامب تعهّد لإسرائيل بدعمه الكامل لإكمال العملية العسكرية للقضاء على حماس إذا رفضت حماس الخطة وهو ما يؤجج المخاوف و الشكوك بتوجه نتنياهو الى المناورة لاجهاض الخطة التي وجب القول إنها ظالمة و غير متوازنة و أنها تنتصر للمحتل على حساب الضحية .
لا نريد استباق الأحداث و سيكون أفضل خبر استمعنا له لو تأكد وقف الإبادة ورفع الأذى و الضيم على أهل غزة الذين طالت محنتهم و الأكيد أن من كان ينام و يصحو على وقع القصف و القنابل التي تقتل الأهل و تبيد النساء و الأطفال و تدمر البيوت والمستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد لا ينتظر غير توقف صوت القنابل و المدافع في غزة التي تحولت إلى مقبرة مفتوحة .
خطة ترامب تأتي فيما يواصل الجيش الإسرائيلي انتشاره في عدة محاور رئيسية بمدينة غزة، مع استمراره بقصف وتفجير المباني ضمن مساعيه لاحتلال المدينة وتهجير الفلسطينيين منها.
لاشك أيضا أن في إعلان ترامب ترؤسه ما وصفه بمجلس السلام مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير للاشراف على إدارة غزة ما يعيد إلى الاذهان وعد اللورد بلفور الذي منح ما لا يملك لمن لا يستحق وكأننا اليوم أمام مهزلة إعادة التاريخ و لكن بدرجة أعمق من القتامة و السوداوية .
أما بالنسبة للرئيس ترامب المهوس بجائزة نوبل للسلام فإن العنوان يستجيب لنرجسيته وطموحاته للفوز بلقب رجل السلام ..صحيح أن ترامب تراجع عن موقفه السابق بشأن تهجير أهل غزة وتحويلها الى منتجع سياحي عالمي وأنه وعد أهالي القطاع بحياة مرفهة تماما كما أعلن رفضه إعادة ضم كيان الاحتلال للضفة الغربية و لكن في الحالتين دون توضيح و دون ضمانات تضع حدا للاحتلال الذي يظل أساس البلاء .
هناك مسائل لا يمكن اسقاطها من خطة ترامب التي أكدت رفض تهجير اهالي غزة و هي أن الخطة وضعت على مقاس ترامب ووفق الاتفاق الإبراهيمي الذي يريد الحفاظ عليه و لكن وضعت أيضا على مقاس نتنياهو لتكون طوق النجاة له من جرائم الفساد التي تلاحقه في الداخل و من جرائم الحرب التي تلاحقه في الخارج .
قد تنتهي الخطة بالغاء حماس و كل الحركات الفلسطينية من المشهد بالاغتيال أو التهجير و لكن لا يمكن لكل قوى العالم مجتمعة أن تلغي المقاومة كفكرة و ثقافة لشعب طالت معاناته مع الاحتلال وسيولد من جينات الجيل الذي شهد محرقة القرن و عاش ويلات الابادة الجماعية لعائلات بأكملها أبديت من السجل المدني من سيعود إلى النقطة الصفر ليواصل خيار المقاومة بعد عقد أو بعد جيل أو بعد قرن .
الرواية الفلسطينية تجتاح العالم و لا يمكن أن تتوقف و لا يمكن لكل محاولات طمسها و تزييفها و تغييبها أن تزيلها من الوعي الشعبي هكذا حدثنا التاريخ و هكذا قالت كل الشعوب التي واجهت الاحتلال والتي شهدت أن كل احتلال زائل مهما طال والمقاومة وجدت لتبقى حتى زوال الاحتلال ..
قبول خطة ترامب لا يعني بالمرة أنها خطة ناجحة أو عادلة ويمكن أن تنهي الإبادة وتضع حدا للإحتلال ..ما منح نتنياهو هذا الموقع قوة و هيمنة و دعم الجانب الأمريكي و لكن أيضا في المقابل ضعف و هشاشة و خذلان الموقف العربي والاسلامي و معه تشتت الموقف الفلسطيني التائه بين صراعات و انقسامات و حرب الاخوة الاعداء.
وحده الشعب الفلسطيني يستحق نيل كل جوائز السلام بل هو أكبر من كل التكريمات و الجوائز التي لا يمكن أن تعوض تضحياته و قدرته على الصبر والتحمل لكل الظلم الذي تعرض له .
ننتظر ما سيتعرض له اسطول الصمود الذي يقترب من سواحل غزة لكسر أبشع حصار عرفه العالم في العصر الحديث لندرك أن كيان الاحتلال لا يرتدع و أن خطة ترامب لا يمكن أن تقيد جرائمه و مجازره و اعتداءاته على الفلسطيني .
أسطول الصمود سيكن عنوان الاختبار القادم ليدرك من بقي لديهم شك أهداف مخططات نتنياهو وتفاصيل خطة ترامب الملغمة لإنهاء حرب الإبادة في غزة ..فعلا الشيطان يكمن في التفاصيل ..و التفاصيل محملة بالألغام ..
* اسيا العروس .. صحفية وكاتبة تونسية
اقرأ المزيد