” الطوارق” الثقافة والعادات والتقاليد تتصدر مهرجان آير الـ 17 بمدينة إيفيروان في شمال النيجر

تصدرت ثقافة وعادات وتقاليد قبائل “الطوارق” في شمال النيجر وبالتحديد في مدينة إيفيروان فعاليات مهرجان آير السابع عشر التي اختتمت في الثامن من ديسمبر2025، وسط حضور آلاف الزوار الذين توافدوا على مدى ثلاثة أيام للاستمتاع ببرنامج ثقافي زاخر بالعروض الفنية والأنشطة التراثية والحرف اليدوية، وقدّم المهرجان نموذجًا متكاملاً يبرز الأهمية الثقافية والاقتصادية والسياحية لمنطقة آير تحت شعار “تعزيز السياحة الداخلية والحرف اليدوية… ركائز السيادة الوطنية والتنمية المستدامة “وهي المنطقة التي يعيش فيها عدد كبير من قبائل “الطوارق”.
شهد الحدث مشاركة وفود رسمية من تشاد وبوركينا فاسو والنيجر، إضافة إلى خبراء ثقافيين ومسافرين ومجتمعات محلية، وتحولت مدينة إيفيروان إلى معرض حيّ يعكس نمط حياة البدو الرحّل، من خلال عروض للإبل ومسابقة لاختيار أجمل جمل، ورقصات وموسيقى تقليدية تصدرتها عروض “التندي” النسائية التي شكّلت السمة الموسيقية للمهرجان، كما قدّم الحرفيون المحليون منتجات فضية وجلدية وتحفًا صحراوية، ضمن سوق حرفي نشط يربط التراث بالاقتصاد المباشر.
وامتد البرنامج إلى موقع شيريت المجاور، حيث أتاحت الرحلات المنظمة للزوار فرصة التأمل في تضاريس صحراء آير المدهشة، ومراقبة سماء الليل الصافية، في خطوة تُبرز إمكانات السياحة البيئية في شمال النيجر. كما احتضن المهرجان منتدى للسلام والتماسك الاجتماعي دعت إليه الهيئة العليا لترسيخ السلام، بمشاركة قادة محليين وخبراء ناقشوا دور الاستقرار في دعم التنمية السياحية والحرفية.
الطوارق… هوية تتجاوز الحدود

لفهم روح مهرجان آير وأهميته، لا بد من التوقف أمام الشعب الذي يمنحه مضمونه الثقافي: الطوارق، الذين يُعد وجودهم في المنطقة ركيزة أساسية في تشكيل هوية الصحراء الكبرى، ينتمي الطوارق إلى الشعوب الأمازيغية، ويُعرفون باسم “رجال الصحراء الزرق” بفضل صبغة النيلي التي تلوّن عمائمهم، يتحدث الطوارق لغة “تماشق”، وهي فرع من اللغات الأمازيغية، ويكتبونها بأبجدية تيفيناغ العريقة، ويقدّر عددهم بين 3 و5 ملايين نسمة موزعين عبر النيجر ومالي والجزائر وليبيا وبوركينا فاسو، مع وجود رئيسي في مناطق آير شمال النيجر، وكيدال في مالي، والهقار بالجزائر.
يعتنق الطوارق الإسلام منذ قرون، مع حضور قوي لطقوس اجتماعية وموسيقية تقليدية، أبرزها “التندي” التي تؤديها النساء. ويتمتع المجتمع الطارقي ببنية اجتماعية متماسكة، وتقدير ملحوظ لمكانة المرأة، فيما تعتمد اقتصاداته التقليدية على تربية الإبل والماشية، وصناعة الفضة والجلود، والحرف المرتبطة بالترحال، وقد شكّلت هذه الهوية الغنية خلفية أساسية لمهرجان آير، الذي يعيد تقديم تراث الطوارق من خلال الموسيقى والرقص والأزياء والحرف، ويحوّل الممارسات اليومية إلى عروض فنية تعكس عمق الثقافة الصحراوية.
مهرجان يمزج الثقافة بالاقتصاد والصناعة السياحية

لم يقتصر مهرجان آير على الجانب الاحتفالي، بل قدّم هذا العام دليلاً عمليًا على قدرة الفعاليات الثقافية على دعم اقتصادات المناطق النائية. فقد أتاح سوق الحرف اليدوية قنوات دخل مباشرة للحرفيين المحليين، بينما استغل منظمو الرحلات السياحية الحدث لتطوير مسارات تجريبية تربط بين المهرجان والمواقع الطبيعية في المنطقة، بما يعزز صناعة السياحة الداخلية.
وأكد المنتدى المصاحب للحدث ضرورة الربط بين التراث والاستقرار، باعتبار أن التنمية السياحية لا يمكن أن تنمو دون إدارة تشاركية تجمع بين السلطات المحلية والمجتمعات والقطاع الخاص. كما أسهم حضور وفود من دول الجوار في تعزيز الدبلوماسية الثقافية، وفي فتح حوار إقليمي حول مستقبل السياحة في الصحراء الكبرى.
وفي ختام مهرجان آير السابع عشر جدد التأكيد على أن شمال النيجر يمتلك مقومات فريدة تجمع بين الجغرافيا الخلابة والتراث العريق. ومن خلال المزج بين الثقافة والحرف والتجربة الصحراوية الراقية، أثبت الحدث أن مناطق الصحراء ليست هامشًا جغرافيًا، بل مركزًا حقيقيًا يمكن أن يقود تنمية مستدامة مبنية على التراث والهوية.
وبينما أسدل الستار على نسخة 2025، بدا واضحًا أن آير لا يقدم عرضًا موسميًا، بل يؤسس لمسار ثقافي واقتصادي يهدف إلى تحويل الزيارات المؤقتة إلى مشاريع طويلة الأمد، وترسيخ مكانة المنطقة كوجهة سياحية وثقافية في قلب الصحراء الكبرى.


اقرا المزيد:-
” ليسوتو ” ماذا تعرف عن هذه المملكة الإفريقية ؟
” الهوسا ” أكبر القبائل الأفريقية انتشارا .. من هم وأين يعيشون ؟




