رمسيس وذهب الفراعنة” يستعد لرحلته الأخيرة والأهم في العاصمة البريطانية لندن

يستعد معرض “رمسيس وذهب الفراعنة” لرحلته الأخيرة والأهم في العاصمة البريطانية لندن، هذه ليست مجرد مجموعة آثار تنتقل من مكان إلى آخر، بل هي سفارة متجولة لمصر العظيمة، تحمل رسالة حضارية وإنسانية، وتعمل كقاطرة للسياحة الثقافية. إليكم التحليل العلمي والاستراتيجي للحدث:
أولاً: رمسيس الثاني – لماذا هو الخيار الأمثل؟
لطالما مثل رمسيس الثاني (1279-1213 ق.م) “الفرعون المثالي” في المخيلة العالمية. هو ليس ملكًا عظيمًا فحسب، بل هو أيقونة ثقافية بكل ما تحمله الكلمة. اختياره لقيادة هذه الحملة الثقافية العالمية حكيم لعدة أسباب:
الشخصية العالمية: اسمه ومعبده في أبو سمبل ومعركة قادش معروفة في المناهج التعليمية والثقافة الشعبية عالميًّا،
تجسيد العظمة: يمثل عهده ذروة القوة العسكرية والإدارية والإنشائية للإمبراطورية المصرية.
الرمزية: يرمز إلى الصلابة والعظمة والخلود، وهي قيم تجذب الجمهور وتعكس صورة مصر الحضارية.
ثانياً: قلب المعرض – القطع الـ 180 و”القطعة النجمية”
المعرض ليس عن رمسيس الثاني فقط، بل عن عصره الذهبي. القطع الـ 180 المختارة بعناية من المتحف المصري بالتحرير تُجسِّد هذه الفكرة:
· رحلة عبر الزمن: تبدأ من الدولة الوسطى (أصول التقاليد الفنية) مروراً بالدولة الحديثة (عصر المجد) وصولاً إلى العصر المتأخر (استمرارية التراث).
· تنوع مذهل: التماثيل الملكية، اللوحات الجنائزية، المجوهرات الذهبية (التي تبرهن على مهارة الصياغة المصرية)، والأدوات الطقسية. كل قطعة تحكي قصة فرعية ضمن الملحمة الكبرى.
· النجم الباهر – تابوت رمسيس الثاني: إقراض تابوت الملك من المتحف القومي للحضارة المصرية هو قرار جريء وذو رمزية عميقة. التابوت المصنوع من حجر الديوريت أو الجرانيت (بحسب المادة) والمزين بنصوص من “كتاب البوابات”، لا يحمي جسد الملك فحسب، بل يمثل مركبته نحو الخلود. عرضه في لندن هو أعلى تقدير للجمهور الدولي، ويظهر ثقة مصر في أنظمة الحماية الحديثة.
ثالثاً: البعد الأثري والعلمي الجديد
يضيف المعرض بُعداً حيوياً من خلال: اكتشافات سقارة الحديثة: عرض قطع من منطقة “بوباستيون” في سقارة (مقبرة القطط المقدسة وحيوانات أخرى) يربط الجمهور بالحفائر المستمرة والنشطة في مصر. يظهر أن علم المصريات ليس دراسة لماضٍ منغلق، بل حقل حيوي يقدم الجديد دائماً. التوابيت الخشبية الملونة من سقارة هي دليل ملموس على استمرارية التقاليد الفنية والحرفية لآلاف السنين.
رابعاً: الزيارة التفقدية – نموذج للاحترافية المصرية زيارة الوفد المصري برئاسة الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد إسماعيل خليد ليست شكليّة. هي تطبيق لأعلى معايير النزاهة الأثرية: مراقبة الظروف البيئية: ضبط الإضاءة (لتجنب أضرار الأشعة فوق البنفسجية) والرطوبة (لحماية المواد العضوية والطلاء) هو شرط علمي وأخلاقي قبل الإقراض.
الأمن المتطور: حماية هذه الكنوز مسؤولية وطنية وعالمية. التأكد من الأنظمة الأمنية يشبه تأمين “خزينة دولة”.
الرسالة: هذه الخطوة تعلن للعالم أن مصر شريك مسؤول وراقٍ في الحفاظ على التراث الإنساني، وليست مجرد مُقرض.
خامساً: التأثير الثقافي والسياحي – رؤية استراتيجية
كلام الدكتور محمد إسماعيل خالد، دقيق وعميق: هذه المعارض “نوافذ على حضارتنا”. ولكنها أيضاً: محرك تسويقي ذكي: كل زائر للمعرض، يرى تابوت رمسيس ويلمس (مجازاً) عظمته، يتحول إلى سائح محتمل. المعرض يخلق شوقاً لرؤية الأصول: الأقصر، أبو سمبل، معبد الرامسيوم.
إعادة تشكيل الصورة الذهنية: المعرض ينقل صورة مصر كـ منبع للحضارة والإبداع والفنون الراقية، مما يعزز مكانتها الثقافية العالمية.
اقتصاد المعرفة: العائد المادي من التذاكر يُعاد استثماره في الترميم والحفائر في مصر، وتُشترى به أحدث الأجهزة العلمية للمتاحف المصرية.
“رمسيس وذهب الفراعنة” في لندن هو الختام الملحمي لجولة عالمية ناجحة. هو حدث يوضح كيف يمكن للتراث أن يكون جسراً للتفاهم، ومحفزاً للاقتصاد، ومصدراً للفخر الوطني.
يقول محمد اسماعيل خالد نحن لا نرسل آثارنا إلى الخارج، نحن نرسل سفراء من الماضي لينتقلوا بين قلوب الناس في الحاضر، ليبنيوا لمستقبل أكثر إشراقاً لمصر وللعالم.
نحيي كل من عمل على هذا الإنجاز من أثريين وإداريين ودبلوماسيين. وندعو أبناء مصر والمهتمين حول العالم لزيارة هذا المعرض الفريد، ليكونوا شاهدين على عظمة الإرث الإنساني الذي تحمله أرض الكنانة.





