مصر: تثبيت أول قطعة في إعادة تركيب مركب خوفو الثانية بالمتحف المصري الكبير

في مصر شهد المتحف المصري الكبير،اليوم، حدثًا أثريًا وعلميًا بارزًا تمثل في بدء أعمال تثبيت أول قطعة خشبية مُرممة على الهيكل الخاص بمركب الملك خوفو الثانية، داخل مبنى متحف مراكب خوفو. يُعد هذا المشروع واحدًا من أضخم وأعقد مشاريع ترميم الآثار على مستوى العالم في القرن الحادي والعشرين.
تمثل هذه الخطبة الرسمية انطلاق المرحلة النهائية والأكثر تعقيدًا في مشروع إعادة إحياء المركب الخشبي، الذي ظل مدفونًا لأكثر من 4500 عام في حفرة جنوب الهرم الأكبر. يهدف المشروع إلى تجميع أكثر من 1650 قطعة خشبية أصلية، كانت مرتبة في 13 طبقة داخل الحفرة، لاستعادة شكل المركب الكامل الذي يبلغ طوله حوالي 42 مترًا.
بدأت الرحلة العلمية الطويلة لهذا المركب بعد اكتشاف حفرتي المراكب عام 1954. بينما تم تركيب وعرض المركب الأولى، بقيت حفرة المركب الثانية مغلقة حتى عام 1992، حين انطلق مشروع مصري-ياباني مشترك بقيادة الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (الجايكا) وهيئة المتحف المصري الكبير. تضمن العمل استخراج القطع في بيئة مُتحكم بها، ودراسات مكثفة لتدهور الأخشاب، وأعمال توثيق شاملة باستخدام التصوير والمسح ثلاثي الأبعاد، تلاها ترميم دقيق استمر لسنوات في معامل متخصصة داخل المتحف.
ويتميز هذا المشروع بكونه أول مشروع ترميم ضخم من نوعه يتم تنفيذه أمام أعين الزوار داخل صالات العرض.
ومن المقرر أن تستمر أعمال التركيب والتجميع لمدة أربع سنوات تقريبًا، مما يتيح للجمهور متابعة العملية الأثرية والتقنية الفريدة لحظة بلحظة. يُقدم هذا النهج الجديد في العرض المتحفي قصة كاملة للأثر، بدءًا من اكتشافه ومرورًا بمراحل إنقاذه المعقدة، وصولًا إلى شكله النهائي، مما يعزز الوعي بقيمة الحفاظ على التراث والجهود العلمية الكامنة وراءه.
و يُجسد المشروع نموذجًا رائدًا للتعاون العلمي الدولي بين مصر واليابان، حيث تم تبادل الخبرات وتطبيق أحدث التقنيات العالمية في مجال الترميم وصون المواد العضوية.
واجه فريق العمل المصري-الياباني المشترك تحديات هائلة، أبرزها الحالة شديدة التدهور التي كانت عليها الأخشاب بعد آلاف السنين من الدفن، مما استلزم ابتكار أساليب ومواد ترميم خاصة.
تختلف المركب الثانية في بعض الخصائص الإنشائية والوظيفية عن نظيرتها الأولى المعروضة، مثل عدد المجاديف ونوعية العناصر المعدنية المصاحبة، مما يقدم رؤى جديدة عن تطور صناعة السفن وطقوس الدفن في عصر الأسرة الرابعة. يُعد هذا المشروع شهادة على المستوى المتقدم الذي بلغه الهندسون المصريون القدماء، وعلامة على التزام مصر المعاصرة بتقديم تراثها الإنساني للأجيال القادمة في إطار علمي وتفاعلي مبتكر.









