أخبار العالمشمال افريقيامصر

القاهرة: زيارة ملك إسبانيا وقرينته المرتقبة لمصر  تتجاوز البروتوكول إلى الاستراتيجية

تشهد القاهرة في الفترة من 16 إلى 19 سبتمبر الجاري حدثًا دبلوماسيًا لافتًا، مع الزيارة الرسمية المرتقبة لـ لملك فيليبي السادس والملكة ليتيزيا، برفقة وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس. وهي أول زيارة ملكية إسبانية إلى مصر منذ عام 2008، لتصبح الرابعة في تاريخ العلاقات الثنائية بعد زيارات أعوام 1977 و1997 و2008.

هذه العودة بعد سبعة عشر عامًا لا يمكن قراءتها في سياقها الاحتفالي فحسب، بل باعتبارها انعكاسًا لرغبة مدريد في إعادة التموضع بالشرق الأوسط عبر بوابة القاهرة. فمصر، بحكم موقعها ودورها التاريخي، تمثل شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه لإسبانيا، خاصة في ظل التوترات المشتعلة في غزة وما يترتب عليها من تداعيات إقليمية ودولية.

القاهرة بوابة مدريد إلى الشرق الأوسط

2025051820404392069 القاهرة: زيارة ملك إسبانيا وقرينته المرتقبة لمصر  تتجاوز البروتوكول إلى الاستراتيجية

منذ اندلاع الحرب في غزة، برز الدور المصري كوسيط محوري، إذ فتحت القاهرة الممرات الإنسانية، وأدارت محادثات غير معلنة بين الأطراف المتصارعة، وسعت لتثبيت التهدئة رغم التعقيدات. على الجانب الآخر، تبنّت إسبانيا سياسة أكثر تشددًا تجاه إسرائيل مقارنة بالعديد من الشركاء الأوروبيين، بدءًا من الدعوات لوقف تصدير الأسلحة، وصولًا إلى التلويح بعقوبات في ضوء الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين.

تلاقي هذه المواقف يفسر حرص مدريد على تعزيز شراكتها مع القاهرة في هذا التوقيت بالذات. فالملك فيليبي السادس، بصفته رمزًا لوحدة الدولة الإسبانية، يُضفي على الزيارة بعدًا سياسيًا ورسالة واضحة: إسبانيا لا تكتفي بالمراقبة من بعيد، بل تريد أن تكون لاعبًا مباشرًا في الملفات الساخنة للمنطقة.

الاقتصاد والثقافة كدعائم للتقارب

images 1 القاهرة: زيارة ملك إسبانيا وقرينته المرتقبة لمصر  تتجاوز البروتوكول إلى الاستراتيجية

لا تقتصر الزيارة على السياسة فقط، بل تشمل جدول أعمال اقتصاديًا وثقافيًا متنوعًا. إذ سيشارك الملك والملكة في منتدى الأعمال المصري–الإسباني، حيث تحضر ملفات البنية التحتية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا بقوة. وهنا تسعى مدريد لفتح أسواق جديدة أمام شركاتها، بينما ترى القاهرة في التعاون مع إسبانيا فرصة لجذب استثمارات أوروبية ذات ثقل.

أما البعد الثقافي، فيتجسد في الزيارات المقررة إلى الأقصر وعدد من البعثات الأثرية. التعاون الأثري بين البلدين يمتد لعقود، ويعكس اهتمام إسبانيا بتقديم نفسها شريكًا يحترم التراث الإنساني ويستثمر في المعرفة المشتركة، على عكس نماذج دبلوماسية تُحصر في المكاسب الاقتصادية فقط. هذا الجانب الثقافي يمنح العلاقات بعدًا طويل الأمد، ويضعها في إطار يتجاوز المصالح الظرفية.

قراءة أعمق للعلاقات المصرية–الإسبانية

من منظور تاريخي، لطالما جمعت البلدين روابط تقوم على الجغرافيا السياسية والتواصل الحضاري. إسبانيا، الواقعة على مشارف المتوسط، تنظر إلى مصر باعتبارها طرفًا لا يمكن تجاوزه في أي معادلة تخص الأمن الإقليمي، سواء في شرق المتوسط أو شمال أفريقيا.

وعلى الجانب المصري، فإن التنويع في الشراكات الدولية يُعد خيارًا استراتيجيًا. فبينما تستند القاهرة إلى علاقات راسخة مع فرنسا وإيطاليا وألمانيا داخل أوروبا، فإن تقوية الروابط مع إسبانيا يتيح لها مساحات أوسع من المناورة السياسية والاقتصادية، خصوصًا مع وجود توافق في المواقف تجاه الملف الفلسطيني.

بين الدبلوماسية الناعمة والمصالح الاستراتيجية

images 2 القاهرة: زيارة ملك إسبانيا وقرينته المرتقبة لمصر  تتجاوز البروتوكول إلى الاستراتيجية

زيارة فيليبي السادس وليتيزيا إلى مصر تحمل أبعادًا متعددة: سياسيًا: تأكيد على دعم إسبانيا لدور مصر في الوساطة بغزة، وإبراز مدريد كفاعل أوروبي منخرط بجدية في قضايا الشرق الأوسط – اقتصاديًا: فتح مجالات استثمار جديدة، مع التركيز على الطاقة النظيفة والمشروعات المشتركة، بما يعكس سعي البلدين لبناء علاقات متوازنة ومستدامة – ثقافيًا وعلميًا: ترسيخ التعاون في الآثار والبحث العلمي، بما يحافظ على صورة إسبانيا كشريك يحترم التراث ويضيف إلى المعرفة الإنسانية.

الزيارة المرتقبة ليست مجرد مناسبة بروتوكولية، بل خطوة مدروسة في سياق سياسي معقد. إسبانيا تريد من خلالها تأكيد حضورها الإقليمي عبر القاهرة، فيما تستفيد مصر من تعزيز تحالفاتها الأوروبية في مرحلة تحتاج فيها إلى شركاء متوازنين، إنها دبلوماسية شاملة، تُظهر كيف يمكن للعلاقات بين دولتين متوسطيّتين أن تُدار بوعي يوازن بين التاريخ والمصالح، وبين الاقتصاد والثقافة، وبين الرمزية الملكية والبراغماتية السياسية.

إقرا المزيد: – ناشيونال جيوغرافيك ترافيل:  مصر ستكون أقرب إلى إسبانيا من أي وقت مضى

العومي : 3 فنادق عائمة أبحرت من الأقصر الي أسوان بسائحين من أمريكا وفرنسا واسبانيا

إفريقيا.. 24 دولة أفريقية تشارك في معرض ” الفيتور” الدولي للسياحة في مدريد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »