ماريغا ماسري يكتب : 29 أبريل 2025.. محطة مفصلية في التاريخ السياسي لمالي بين الآمال والمخاوف

مرت مالي بفترة انتقالية حاسمة في تاريخها الحديث، حيث بدأت سلسلة من المشاورات السياسية الكبرى بهدف إعادة بناء النظام السياسي والدستوري في البلاد، والتي شملت جميع الأطراف السياسية والمجتمعية. كان آخر هذه المشاورات هو الحوار الذي عُقد في العاصمة باماكو في 29 أبريل 2025، وهو الحدث الذي أسفر عن مجموعة من التوصيات الختامية التي تعكس رؤية السلطة الانتقالية للمرحلة المقبلة. ومن خلال هذه المقالة، سوف نتناول تحليل هذه التوصيات وتقييم مدى تأثيرها على الحياة السياسية في البلاد، بالإضافة إلى موقفنا النقدي من بعض تلك التوصيات.
في البداية، أود التأكيد على أنني، كمواطن مالي، أحد الداعمين بقوة للقيادة العسكرية الانتقالية في البلاد. فأنا أؤمن بأن السلطات الحالية تعمل على تحرير البلاد من الوصاية الغربية وتعزيز السيادة الوطنية، وهذا هو الهدف الذي أؤيده بشدة. ولكن، وبالرغم من دعمي المستمر لهذه القيادة، فإنني أرى أنه من المهم طرح بعض النقاط النقدية حول التوصيات الختامية للمشاورات الأخيرة، خاصة تلك التي قد يكون لها آثار سلبية على المشاركة السياسية وعلى تعزيز الديمقراطية في المستقبل.
أولًا: المشاورات السياسية في مالي – المسار والسياق
مرت مالي بمراحل متعددة من المشاورات السياسية منذ بداية المرحلة الانتقالية، وقد بدأت أولى هذه المشاورات في المناطق لتشمل الفئات المحلية والشعبية. ثم كانت المشاورات الوطنية في باماكو في 29 أبريل 2025، وهي المرحلة النهائية التي أُعلن عنها على مستوى واسع. ومع ذلك، يلاحظ أن العديد من الأحزاب السياسية الكبرى وبعض القوى المدنية لم تشارك في هذه المشاورات، مما يجعل من عملية الحوار السياسي في البلاد عملية ناقصة، ولا تعكس تمامًا تطلعات جميع الأطراف.
من خلال هذه المشاورات، كانت هناك نية مبدئية لإعادة تأسيس النظام الديمقراطي في البلاد. ومع ذلك، فإن مخرجات المشاورات – خاصة التوصيات المتعلقة بشروط العمل السياسي – تثير تساؤلات حول نوايا الحكومة الانتقالية، ما إذا كانت تسعى حقًا إلى تطوير العملية الديمقراطية أم أنها ترغب في تمديد فترة حكمها وتعزيز سلطتها بشكل غير مباشر.
ثانيًا: أبرز التوصيات الختامية للمشاورات
1. تشديد شروط إنشاء الأحزاب السياسية:
فرض وديعة مالية قدرها 100 مليون فرنك أفريقي لإنشاء أي حزب سياسي.
تحديد سن زعيم الحزب بين 25 و75 عامًا.
ضرورة تمثيل جغرافي واسع للحزب في كافة أنحاء البلاد.
إلغاء التمويل العمومي للأحزاب السياسية.
2. إلغاء صفة زعيم المعارضة:
تعديل قانون 2015-007 لإلغاء منصب “زعيم المعارضة” مع الإبقاء على مفهوم “المعارضة السياسية” فقط.
3. حظر الترحال السياسي:
تجريم تنقل المنتخبين بين الأحزاب السياسية.
توسيع تطبيق المادة 106 من الدستور لتشمل جميع المناصب المنتخبة والمعينة.
4. تمديد الفترة الانتقالية وتنصيب الجنرال أسيمي غويتا:
اقتراح تمديد فترة الرئاسة للجنرال أسيمي غويتا لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد.
تعليق العملية الانتخابية حتى إشعار آخر.
الحفاظ على المؤسسات الانتقالية الحالية.
5 . شروط جديدة للترشح للانتخابات:
فرض وديعة مالية قدرها 250 مليون فرنك أفريقي للترشح للانتخابات الرئاسية.
اعتماد نظام الانتخاب من جولة واحدة.
تنظيم “نظام الرعاية السياسية” للمترشحين.
ثالثًا: الانتقادات والمواقف المعارضة
تواجه هذه التوصيات معارضة شديدة من العديد من الأحزاب السياسية والمكونات المدنية في البلاد. خاصة من قبل “تنسيقية الأحزاب السياسية من أجل الميثاق” (إيباك)، التي اعتبرت هذه التوصيات بمثابة محاولة لتقييد الحريات السياسية واعتبرت أن ما تم اقتراحه يتناقض مع المادة 39 من الدستور المالي، التي تضمن حق تأسيس الأحزاب السياسية والمشاركة السياسية بشكل حر.
تعتبر إيباك وبعض المنظمات الحقوقية أن التوصيات تُسهم في تقليص الفضاء السياسي، حيث إن فرض وديعة مالية ضخمة لإنشاء حزب سياسي أو للترشح للرئاسة، يحد من قدرة العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية على الترشح أو المشاركة في الحياة السياسية. هذه التوصيات تعزز من سيطرة النخبة السياسية المالكة للثروات، مما يجعل العمل السياسي محصورًا في أيدي الأغنياء فقط.
رابعًا: تحليل نقدي للتوصيات
التوصيات التي تم التوصل إليها خلال المشاورات الأخيرة تشير إلى توجهات قد تكون لها تبعات خطيرة على الحياة السياسية في مالي. فرض وديعة مالية ضخمة مثل 100 مليون فرنك لإنشاء حزب سياسي، و250 مليون فرنك للترشح للرئاسة، قد تَحول العملية السياسية إلى قضية مالية بحتة، وتُقيد المشاركة السياسية لفئات واسعة من المجتمع، خاصة الفقراء والشباب.
إلغاء منصب “زعيم المعارضة” قد يبدو كإجراء من أجل تقليص النفقات، لكنه في الواقع يُضعف قدرة المعارضة على القيام بدورها الرقابي والسياسي، مما يقوّض التوازن بين الحكومة والمعارضة.
أما من حيث نظام الانتخابات، فإن اعتماد نظام الجولة الواحدة قد يؤدي إلى تصويت غير شامل ويُقلل من تمثيل جميع الفئات. إضافة إلى ذلك، فإن فرض “نظام الرعاية السياسية” على المترشحين قد يعزز من هيمنة الجهات السياسية الكبرى والممولة على حساب الأحزاب السياسية الصغيرة أو المستقلة.
ختاما : من خلال تقييم هذه التوصيات، يبدو أن الهدف الأساسي منها هو تقليص مساحة التعددية السياسية في مالي وتعزيز السيطرة المركزية للسلطة. على الرغم من أن هناك نية من وراء هذه التوصيات لتحسين النظام السياسي، إلا أن ما يحدث فعلاً هو تقليص المشاركة السياسية لصالح النخبة.
إن مالي تحتاج إلى مرحلة انتقالية تُفضي إلى شراكة سياسية حقيقية، تضمن مشاركة جميع الأطراف السياسية دون تمييز أو قيود مالية. ما نحتاجه هو إصلاحات سياسية حقيقية تفتح المجال للجميع، وخاصة الشباب والفئات المهمشة، للمشاركة في بناء مستقبل البلاد.
المراجع:
Le Monde – Le chef de la junte s’ouvre la voie à une présidence de cinq ans sans élection
Maliweb – Dissolution des partis politiques et 5 ans de plus pour Assimi Goïta
تصريح تنسيقية الأحزاب السياسية من أجل الميثاق (EPEC)، أبريل 2025.
https://www.facebook.com/share/p/1Xmduyf1uE/
مالي: رئاسة مُطلقة لغويتا، تعليق الانتخابات، حلّ شامل للأحزاب دون رؤية اقتصادية
https://www.lemonde.fr/afrique/article/2025/04/28/au-mali-une-centaine-de-partis-politiques-redoutent-leur-dissolution-par-la-junte_6600874_3212.html
تقارير إعلامية محلية حول انعقاد المشاورات ومواقف الأطراف المختلفة.
* ماريغا ماسري (Marega Macire) .. باحث من دولة مالي متخصص في الشئون الأفريقية .
إقرأ المزيد :