توغو تتصدر مشهد محاولات حل أزمة شرق الكونغو .. جهود دبلوماسية إفريقية ودعم دولي لإنهاء الصراع الدموي

في تطور جديد ومهم ضمن جهود الوساطة الإفريقية والدولية، انضمت دولة توجو رسميًا إلى المبادرات الهادفة إلى حل الأزمة المستمرة في إقليم شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي المنطقة التي تشهد تصعيدًا عسكريًا وأزمة إنسانية منذ سنوات، وسط محاولات متكررة لاحتواء النزاع المسلح بين القوات الحكومية وجماعات مسلحة أبرزها حركة “M23”.
وساطة توجولية بدعم من الاتحاد الإفريقي
قام وزير خارجية توجو، روبرت دوسي، بزيارة رسمية إلى كينشاسا، العاصمة الكونغولية، حيث التقى بالرئيس فيليكس تشيسيكيدي، وذلك بهدف بحث مسار السلام والمصالحة في شرق البلاد. وتأتي هذه الزيارة في إطار وساطة يقودها رئيس توجو فور جناسينجبي، بتكليف مباشر من الاتحاد الإفريقي، والذي اختار جناسينجبي كوسيط رفيع المستوى للدفع بمسار السلام.
وفي تصريحاته، أكد دوسي أن الزيارة تأتي “لتقييم التقدم الذي تم إحرازه في محادثات السلام” في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما أشار إلى أن بلاده تعمل حاليًا على التواصل مع جميع الأطراف الفاعلة، بما في ذلك المجتمع المدني، بهدف بلورة نص سياسي مشترك قد يشكل أرضية لاتفاق سلام مرتقب.
مسودة سياسية موحدة خلال أسابيع
بحسب ما أوردته محطة راديو فرنسا الدولي (RFI)، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعتزم تقديم مسودة موحدة لنص اتفاق سلام خلال الأسابيع الثلاثة القادمة. وتهدف هذه المسودة إلى أن تكون ناتجة عن دمج كافة الملاحظات والتعديلات المقدمة من قبل الأطراف المعنية، سواء الكونغو أو رواندا أو الدول الشريكة في الوساطة.
ويُنتظر أن يُعقد اجتماع تشاوري موسّع في العاصمة التوغولية لومي، خلال الفترة المقبلة، بمشاركة ممثلين عن حكومة الكونغو الديمقراطية، وتحالف نهر الكونغو، وحركة M23، إلى جانب مجموعة الاتصال الدولية التي تضم كلًا من: الولايات المتحدة، فرنسا، وقطر.
ورغم عدم تحديد موعد دقيق لهذا الاجتماع حتى الآن، إلا أن مصادر دبلوماسية رجّحت انعقاده قبل نهاية شهر مايو، ليشكّل محطة مفصلية في مسار الوساطة.
دعم دولي وإجماع على ضرورة إنهاء الأزمة
الدعم الدولي للوساطة الإفريقية بقيادة توغو كان واضحًا وجليًا. فقد جددت الولايات المتحدة وفرنسا وقطر، في بيان مشترك، دعمها الكامل للعملية السياسية، وشددت على ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام نهائي قبل نهاية يونيو 2025. وأشادت هذه الدول بالجهود التي تبذلها دول المنطقة، وفي مقدمتها رواندا والكونغو وتوغو، تحت مظلة الاتحاد الإفريقي.
وجاء في البيان أن الوضع في شرق الكونغو “لا يحتمل مزيدًا من التأجيل”، وأن المجتمع الدولي “لن يدخر جهدًا في دعم الحوار السياسي بين الحكومة الكونغولية وتحالف نهر الكونغو ومتمردي M23”.
كما نوه البيان إلى أن وقف إطلاق النار المعلن في الآونة الأخيرة هو “خطوة إيجابية”، لكنه يحتاج إلى آليات تنفيذ ورقابة صارمة تضمن استدامته، وتسمح في الوقت ذاته بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة.
تفاقم الأزمة الإنسانية وتزايد النزوح
في ظل استمرار القتال في مناطق مثل شمال كيفو وجنوب كيفو، تتفاقم الأزمة الإنسانية في شرق الكونغو بوتيرة غير مسبوقة. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن عدد النازحين داخل البلاد وصل إلى 7.8 مليون شخص بنهاية عام 2024، وهو الرقم الأعلى في تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقد أدى تصاعد العنف منذ يناير 2025 إلى موجة نزوح جديدة، أجبرت عشرات الآلاف على الفرار من ديارهم. وتحدث مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) عن نزوح أكثر من 49 ألف شخص خلال أسبوعين فقط أواخر أبريل، نتيجة اشتباكات عنيفة في غوما وساكي.
وفي ظل هذا الوضع المأساوي، أطلقت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، بالتعاون مع 107 من شركائها الإنسانيين، نداءً لجمع 781 مليون دولار أمريكي، بهدف دعم أكثر من مليون لاجئ وطالب لجوء كونغولي، فضلًا عن المجتمعات المضيفة لهم في سبع دول إفريقية.
وقالت المسؤولة الإقليمية في المفوضية، شانسا كابايا، إن “المجتمعات المضيفة تقوم بعمل بطولي، لكنها تحتاج إلى دعم أكبر، لأن الضغط الحالي يفوق قدراتها”، مشيرة إلى أن الكثير من اللاجئين يعانون من أزمات نفسية حادة نتيجة ما تعرضوا له.
معالجة الأسباب الجذرية للنزاع
الدول الداعمة للمبادرة شددت على ضرورة معالجة الأسباب العميقة للنزاع، والتي تشمل الانقسامات العرقية، والفقر، والتهميش السياسي، وضعف التنمية. وأكد البيان الصادر في الدوحة على أن أي اتفاق سلام يجب أن يشمل برامج لإعادة الإدماج والتنمية المحلية في شرق الكونغو، إلى جانب العدالة الانتقالية.
كما دعا المشاركون في الاجتماع إلى دعم جهود جماعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC) وجماعة شرق إفريقيا (EAC)، اللتين تعملان بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي لإنجاح عملية السلام.
هل تفتح الوساطة الإفريقية بابًا لإنهاء أطول صراعات إفريقيا؟
بين التصعيد العسكري، والتحركات الدبلوماسية، والتدهور الإنساني، تظل أزمة شرق الكونغو واحدة من أكثر النزاعات تعقيدًا في القارة. لكن دخول توغو على خط الوساطة، وبدعم غير مسبوق من المجتمع الدولي، يعطي بارقة أمل حقيقية نحو سلام دائم واستقرار مستدام في قلب إفريقيا.
إقرأ المزيد :
6 دول تؤكد التزامها المشترك بالسلام والاستقرار في شرق الكونغو