أخبار عاجلةالرأي

السفير عبد المحمود عبد الحليم يكتب: باكستان والهند : بنيان مرصوص وسندور

أسلحة الحروب لاتحمل فى جوفها الحمم والمقذوفات النارية فحسب لكنها تحمل معها حمولات قيمية وأسطورية ودينية وتراثية.. فجر السبت الماضى أطلقت باكستان ردا على الحملة الهندية عملية اسمتها ” البنيان المرصوص ” ومعانيها مذكورة في سورة الصف ” إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص “.. أما الهند فقد أطلقت ” عملية سندور-sindoor operation “ والكلمة مأخوذة من اللغة السنسكريتية والثقافة الهندوسية ، وسندور مسحوق أحمرّ اللون يوضع فى مفرق شعر النساء المتزوجات ويرمز للحب والإخلاص والخصوبة والازدهار ، وكانت قد استخدمته فى الأساطير الهندوسية الآلهة ” بارفتى” زوجة لورد “شيفا ” تعبيرا عن إخلاصها له ، ولعل تسمية الحملة بالسندور ترمز إلى دماء تسيل ضمانا لازدهار الوطن وإخلاصا له وتذكرة بالنساء ضحايا حادث منتجع بهالقام في الشطر الهندى من كشمير الذى أشعل حرب الأيام الماضية بين الهند وباكستان…تستقر المقذوفات النارية وتنتهى فى صدور الخصوم، أما الحمولات القيمية والتراثية والدينية فتبقى فى صدور الأحياء انتظارا لماهو قادم .

الحروب والتوترات بين الجارين النوويين ليست بجديدة منذ استقلال الهند عام ١٩٤٧ وانفصالهما وبروز كشمير كمنطقة متنازع عليها ، وقد خاضا فى السابق حروبا ثلاث، وكان اخماد النيران يتم عادة عبر تفعيل دبلوماسية الأبواب الخلفية تارة أو بواسطة دراما بوليوودية من خلال الدبلوماسية الناعمة تارة أخرى بتوظيف نجوم السينما والكريكت من لدن أميتاب باشان واشواريا رااى وتندولكار وعمران خان ونسيم خان إلا أن معركتهما الحالية طال أمدها واستبان خلالها استخدام أسلحة جديدة بمؤشرات هامة من بينها الأداء الجيد لمنظومة الدفاع الجوى الباكستاني وكذلك تمكن باكستان من إسقاط طائرتين على الأقل من طراز رافال حيث تتابع واشنطن الفاعلية القوية التى أظهرتها الطائرة الصينية المقاتلة جيه ١٠ وإطلاقها لصواريخ جو جو تحسبا لتعاركات قد تستوجب منازلتها في السياقات التايوانية أو على نطاق المحيطين الهندى و الهادى.

سكتت الآن أصوات المدافع والصواريخ والمسيرات حيث يلاحظ سرعة استجابة البلدين لمناشدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهما لوقف إطلاق النار على الرغم من تصريحات لنائب الرئيس فانس قال فيها ” إن الحرب لا تعنيهم ” ، ويرى مراقبون أن رغبة البلدين فى إيقاف الحرب خاصة مع احساسهما المتزايد باحتمالات تطورها لما لا يمكن الإحاطة بمآلاته وخاصة الهند التى تبدو كمن تفاجأ بقوة الرد الباكستاني كانت أكبر من قوة النداء والمناشدة الأمريكية ، وقال البلدان ” أنهما سيبحثان طيفا واسعاً من القضايا ذات الصلة بخفض التصعيد رغم اتهاماتهما المتبادلة بانتهاك وقف إطلاق النار ” ، بينما فتحت باكستان مجالها الجوى الذي كانت قد أغلقته في وجه الطائرات الهندية ، كما تحدت رئيس وزرائها شاهباز شريف عن انتصار حققته بلاده التى يبدو أن الحرب قد وحدت جبهتها الداخلية المتنافرة كما سوف تتمكن من خلال أجواء السلام مواصلة برامج إصلاحها الاقتصادي وإفراج صندوق النقد الدولي عن قرضها ،ومن الموضوعات الهامة التي يتوجب معالجتها بما فى ذلك القضايا الأساسية التى قادت للوضع الحالي أمر اتفاقية مياة نهر السند الهامة الموقعة عام ١٩٦٠ والتى علقت الهند العمل بها ، وتحتاج الهند بدورها لمناخات سلام لخدمة برامج حكومة ناريندرا مودى الاقتصادية والاجتماعية ، وربما تكون كثرة استخدامات ” السندور ” فى مجتمعها أحد مظاهر استقرارها .

 

إقرأ المزيد :

السفير عبد المحمود عبد الحليم يكتب : القاعة ١٠٢ وزفرات الملاح القديم 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »