أزمة المعادن الإستراتيجية تهدد الاقتصاد العالمي: الكوبالت والتنتاليت في قلب العاصفة

في ظل التحوّل المتسارع نحو الطاقة النظيفة والتكنولوجيا المتقدمة، يواجه العالم تحديًا اقتصاديًا من نوع جديد: نقص حاد في إمدادات المعادن الإستراتيجية مثل الكوبالت والتنتاليت، وهما عنصران أساسيان في صناعة بطاريات الليثيوم، والسيارات الكهربائية، والإلكترونيات المتطورة.
تعتمد الصناعات الحيوية الحديثة على هذه المعادن بدرجة كبيرة، ومع تزايد الطلب العالمي عليها، يقف الاقتصاد العالمي أمام أزمة إمدادات قد تُربك سلاسل التوريد وتدفع الأسعار للارتفاع بشكل غير مسبوق. ويزيد الأمر تعقيدًا أن أكبر مصدر لهذه المعادن – جمهورية الكونغو الديمقراطية – يمر بتوترات سياسية وأمنية أدت إلى تعطل الإمدادات، ما يُنذر بتأثيرات سلبية على الأسواق العالمية، بدءًا من التكنولوجيا وحتى قطاع السيارات والطيران.
تصاعد الطلب على الكوبالت ينذر بعجز عالمي في الإمدادات
كشفت دراسة حديثة عن تزايد الطلب العالمي على معدن الكوبالت بوتيرة أسرع من العرض، ما يُنذر بتحول السوق من فائض في عام 2024 إلى عجز في السنوات المقبلة.
وأفادت الدراسة التي أعدها معهد Benchmark Mineral Intelligence، المتخصص في تحليلات المعادن الأساسية ومقره لندن، ونشرتها شبكة “US News” الأمريكية، أن مستقبل سوق الكوبالت في المدى القريب يعتمد بدرجة كبيرة على قرارات جمهورية الكونغو الديمقراطية، أكبر منتج للكوبالت في العالم، والتي كانت قد فرضت حظرًا لمدة أربعة أشهر على تصدير المعدن في أواخر فبراير الماضي.
جاء قرار الحظر بهدف معالجة فائض السوق الذي أدى إلى انخفاض أسعار الكوبالت لأدنى مستوياتها منذ تسع سنوات، قبل أن ترتفع الأسعار مجددًا بنسبة 60% لتصل إلى 16 دولارًا للرطل.
وأشارت الدراسة إلى أنه في حال استثناء حالة عدم اليقين المتعلقة بالحظر، من المتوقع أن تنمو الإمدادات العالمية من الكوبالت بمعدل سنوي مركب قدره 5% خلال السنوات المقبلة. ورغم ذلك، ستتراجع حصة الكونغو الديمقراطية من السوق، التي بلغت 76% من الإمدادات العالمية الأولية في العام الماضي، في حال تمكنت إندونيسيا من تسريع وتيرة إنتاجها.
في المقابل، يُتوقع أن يسجل الطلب العالمي (باستثناء مخزون الحكومات) معدل نمو سنوي مركب قدره 7% ليصل إلى 400 ألف طن متري بحلول أوائل الثلاثينيات، مدفوعًا بالارتفاع الكبير في الطلب من قطاع السيارات الكهربائية، الذي من المتوقع أن يستحوذ على 57% من إجمالي الطلب العالمي بحلول عام 2030، مقارنة بـ43% في 2024.
ووفقًا للتقديرات، بلغ استهلاك الكوبالت العالمي في عام 2023 نحو 222 ألف طن، في حين سجل السوق فائضًا يُقدّر بـ 36 ألف طن في عام 2024، أي ما يعادل 15% من حجم الطلب، مقابل 25 ألف طن فائض في عام 2023.
وفي تصريح له خلال مؤتمر لصناعة الكوبالت عقد في سنغافورة، أعلن وزير المناجم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كيزيتو باكابومبا، أن الحظر المفروض على صادرات الكوبالت يخضع حاليًا للمراجعة، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
ويُعد الكوبالت معدنًا استراتيجيًا بالغ الأهمية، يُستخدم أساسًا في صناعة بطاريات الليثيوم القابلة لإعادة الشحن، والتي تدخل في السيارات الكهربائية، والأجهزة الإلكترونية، فضلًا عن استخدامه في السبائك الفائقة والصناعات الطبية والبتروكيماوية.
ارتفاع أسعار “تنتاليت” بسبب العنف في الكونغو
وفي السياق ذاته، قفزت أسعار معدن “تنتاليت” لأعلى مستوياتها خلال عامين في أوروبا الأسبوع الماضي، مدفوعة باضطراب الإمدادات الناجمة عن التوترات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أكبر منتج في العالم لهذا المعدن الحيوي الذي يمد صناعات الطيران والإلكترونيات والفضاء الجوي.
وتراوح سعر “تنتاليت” بين 100 و105 دولارات للرطل في السوق الفورية الأوروبية، وهو أعلى مستوى له منذ أبريل 2023، ويمثل زيادة بنسبة 25% منذ اندلاع الاضطرابات في يناير.
وذكرت منصة “كيتكو” Kitco المتخصصة في متابعة أسعار المعادن أن هذا الارتفاع يأتي نتيجة اضطرابات في سلاسل التوريد الناجمة عن تصاعد العنف في الكونغو الديمقراطية، التي تُعد أكبر منتج عالمي لهذه المادة الحيوية.
ويُعد تنتاليت (Tantalite) معدنًا يحتوي على عنصر التانتالوم، ويُعد من المواد الأساسية في تصنيع المكثفات الإلكترونية المستخدمة في الهواتف الذكية، والأجهزة الطبية، والمفاعلات النووية، وصناعات الطيران والفضاء.
وقال أحد تجار المعادن الثانوية: “الصراع في شرق الكونغو جعل الحصول على مادة تنتاليت رسميًا أمرًا بالغ الصعوبة… قد تُبرم صفقة في منطقة هادئة نسبيًا، ثم تسقط في يد المتمردين خلال أسبوعين فقط.”
وأكدت المحللة سيان موريس من شركة “آرجوس” المتخصصة في معلومات سوق المعادن، أنه نتيجة لذلك، توقفت العديد من الشركات الغربية عن شراء المعدن، وأضافت:”الشركات الغربية تلجأ الآن إلى دول مثل بوروندي وموزمبيق، لكن حجم الإمدادات من هذه الدول محدود جداً، ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع.”
ووفقًا لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فإن الكونغو ورواندا وفرتا أكثر من 58% من إنتاج تنتاليت العالمي في عام 2024، بإجمالي 1,230 طن متري، مقارنة بحصة مجمعة لا تتجاوز 4.6% لبوروندي وموزمبيق.
خلاصة المشهد
تشكل المعادن الإستراتيجية مثل الكوبالت والتنتاليت محورًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي الجديد القائم على الطاقة النظيفة والتكنولوجيا، وأي اضطراب في إنتاجها أو توريدها ينعكس مباشرة على الأسواق، مسببًا ارتفاعًا في الأسعار، وتعطيلاً في سلاسل التوريد، وتباطؤًا في النمو الاقتصادي.
إقرأ المزيد