أخبار عاجلةالرأي

رامي زهدي يكتب : فرصة ذهبية لصياغة مصير بحري مشترك للدول الإفريقية المشاطئة علي البحر الأحمر

«هل آن الآوان لميثاق بحري جديد برؤية 2030؟» 

«آليات تعاون مقترحة، من إنشاء مركز استخباري بحري مشترك، مقره القاهرة أو جيبوتي، إلى تأسيس “بنك تمويل الساحل الأحمر ودعم مشروعات التنمية في دول القارة المطلة علي البحر»

 

على ضفاف البحر الأحمر، لا تمر السفن وحدها ، تمر مصالح كبرى، واستراتيجيات متداخلة، وحسابات أمنية متشابكة بين الإقليمي والدولي. وبينما تعج مياهه بالمنافسات والتدخلات، يبقى الدور الإفريقي في إدارة هذا المسرح الحيوي محدودًا، رغم أن خمس دول إفريقية تطل مباشرة عليه، ولديها من الأسباب ما يجعلها الأحرص على أمنه وتنميته.

السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم هو: متى ينتقل الحضور الإفريقي من الهامش إلى صدارة القرار في البحر الأحمر؟ ومتى تتحوّل السواحل الإفريقية من ممرات إلى مراكز، ومن أطراف معادلات إلى قوى صانعة للقرار؟ في هذا السياق، تبدو مصر مؤهلة أكثر من غيرها لتقود تحالفًا ساحليًا إفريقيًا يُعيد صياغة مستقبل البحر الأحمر بمقاربة إفريقية، أمنية وتنموية، واقعية وطموحة في آن.

“البحر الأحمر في قلب الاستراتيجية الإفريقية”

بأهمية جغرافية لا تضاهى، يمتد البحر الأحمر على طول 2,250 كيلومترًا، ويعد أحد أكثر الممرات البحرية ازدحامًا عالميًا، حيث تمر عبره نحو 12% من التجارة الدولية. وتمر معظم هذه الحمولات باتجاه قناة السويس، التي عبرها في عام 2023 أكثر من 23,000 سفينة بحمولة إجمالية تخطت 1.5 مليار طن.

بينما يمثل البحر الأحمر رافعة اقتصادية محتملة ودافعة، فتشكل موانئ البحر الأحمر، لا سيما في جيبوتي وبورتسودان ومقديشو، بوابات رئيسية لأكثر من 40% من صادرات وواردات دول شرق إفريقيا. ومع ذلك، لا تزال الإمكانات الاقتصادية الحقيقية للبحر الأحمر من ثروات سمكية إلى طاقة متجددة وسياحة بحرية وثروات تعدينية كامنة بعيدة عن الاستغلال الأمثل.

البحر الأحمر الذي يمثل أولوية أمن قومي

من باب المندب إلى سواحل السودان والصومال، يشكل البحر الأحمر خط الدفاع الأول ضد تحديات تهريب السلاح، والهجرة غير الشرعية، والقرصنة، وامتداد التوترات الإقليمية. وموقعه المحوري في خطوط إمداد الطاقة نحو أوروبا يضفي عليه طابعًا من الأمن الدولي، يجعل تجاهله مكلفًا.

“التحديات أمام التكامل الإفريقي في البحر الأحمر”

حالة من التشظي السياسي والإستراتيجي، تتضح في مشهد التباين الحاد بين نظم الحكم، من نظام مغلق في إريتريا إلى انتقال مرتبك في السودان، وهشاشة مزمنة في الصومال، كل هذا يُضعف القدرة الجماعية على تنسيق السياسات.. هذا فضلًا عن تشابك الولاءات لمحاور إقليمية متعارضة، مما يضعف إمكانيات التحالف الإفريقي المشترك.، كل هذا بالتوازي مع تهديدات أمنية مركّبة، فالحرب الدامية في السودان منذ أبريل 2023 علي سبيل المثال، خلفت أكثر من 13 ألف قتيل وملايين النازحين، بينما تلقي بظلالها على أمن البحر الأحمر.. أما القرصنة، ورغم تراجعها، فلا تزال تُسجّل حوادث خطرة، بحسب المنظمة البحرية الدولية. وإلى جانب ذلك، يُعدّ وجود أكثر من 13 قاعدة عسكرية أجنبية في جيبوتي وإريتريا، مؤشرًا واضحًا على تراجع السيادة الأمنية.

أيضا، هشاشة البنية التحتية والاعتماد على الخارج،مع غياب شبكات نقل عابرة للحدود، واستمرار الاعتماد على شركات أجنبية في إدارة أكثر من 70% من الموانئ، يبقى التكامل الاقتصادي حلمًا مؤجلًا. فالدول الإفريقية لم تسهم بأكثر من 15% في تمويل مشاريع الموانئ خلال خمس سنوات، وفق تقارير اللجنة الاقتصادية لإفريقيا (UNECA).

“من التحديات إلى الفرص – خارطة طريق للتحالف الساحلي الإفريقي”

هل آن الآوان لميثاق بحري جديد برؤية 2030 ؟.. نعم، حيث يمكن التأسيس لتحالف إفريقي ساحلي يتجاوز التنسيق الظرفي، نحو شراكة طويلة المدى. هذا التحالف يمكن أن يتبنى “رؤية البحر الأحمر 2035″، والتي تتضمن تطوير البنية التحتية البحرية، وإنشاء مراكز صناعية ولوجستية، وتنسيق سياسات الطاقة والمصائد والرقمنة الساحلية، والسعي نخو الهوية البحرية المشتركة لدول افريقيا المطلة علي البحر الأحمر.

التحالف لا يحتاج إلى بداية من الصفر، فالمقاربة القائمة على وحدة المصير البحري – كما حدث في “إعلان نيروبي” الخاص بالمحيط الهندي – تمثل أساسًا صلبًا للتلاقي، ومن خلال تبني تنفيذ آليات أمنية واقتصادية عملي مقترحة، منها من إنشاء مركز استخباري بحري مشترك، مقره القاهرة أو جيبوتي، إلى تأسيس “بنك تمويل الساحل الأحمر” بالشراكة مع البنك الإفريقي للتنمية وصناديق سيادية خليجية، تتعدد الآليات الكفيلة بتحويل البحر الأحمر من مجال للتنازع إلى ساحة للتكامل.

“الدور المصري المحوري في البحر الأحمر من الريادة إلى القيادة”

عبر تفوق بحري ودبلوماسي، الي عسكري بحري مؤثر حيث تحتل مصر المرتبة الأولى إفريقيًا في القوة البحرية، والسادسة عالميًا بحسب مؤشرات 2024.

ثم قناة السويس والتي وحدها ورغم تأثرها بالحرب في الشرق الأوسط مؤخرًا، حققت إيرادات قياسية عام 2023 تجاوزت 9.4 مليار دولار قبل ان تتاثر أكثر في العامين 2025 و2024. أما المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، فهي مثال ناجح لإعادة توطين سلاسل الإمداد، ويمكن تكرار النموذج في جيبوتي أو إريتريا.

وكذلك مبادرات مصرية فاعلة، منها، إطلاق منتدى سنوي بعنوان: “أمن وتنمية البحر الأحمر الإفريقي”، تستضيفه القاهرة، وتوقيع مذكرات تفاهم ثلاثية لتطوير الموانئ والمراكز اللوجستية، وكذلك تقديم 500 منحة تدريبية سنويًا عبر الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، والتوسع في خطوط الشحن البحري مع شرق إفريقيا عبر موانئ السخنة وبرنيس وبورتسودان.، وغير ذلك.

“توصيات إستراتيجية لبناء تحالف ساحلي متماسك”

يمكن الدعوة لتأسيس تحالف إفريقي ساحلي بقيادة مصر على أسس أمنية وتنموية متوازنة، وكذلك إعداد دراسات جدوى لعشرة مشروعات نوعية في مجالات البنية التحتية، الطاقة، والمصائد.

وأيضا السعي نحو تمويل مشترك عربي–إفريقي بمساهمة من 22 دولة عربية، يشمل الصناديق السيادية وشراكات استراتيجية.

وإنشاء مركز مراقبة إفريقي للتحركات البحرية والعسكرية الأجنبية.

وتفعيل دور مراكز الفكر والمجتمع المدني الإفريقي في صياغة السياسات البحرية.

أخيراََ، لم يعد مستقبل البحر الأحمر شأناً مؤجلاً. ولم يعد مقبولًا أن تُحسم معادلاته في عواصم بعيدة دون صوت إفريقي موحد. الفرصة الآن متاحة لتأسيس تحالف إفريقي ساحلي يُعيد التوازن للمشهد البحري، ويضع القارة في موقع الفاعل لا المفعول به.

ومصر بما تملكه من موقع وقدرات وتاريخ لا تملك ترف التردد. إنها مدعوة، بل مطالبة، أن تقود هذا التحول، لا من موقع الاحتكار، بل من موقع الشراكة والرؤية، من أجل أمن واستقلال وتنمية أبناء البحر الأحمر، على ضفتيه معًا.

* رامي زُهدي .. خبير في الشأن الإفريقي .

اقرأ المزيد

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »