أخبار عاجلةالرأي

رامي زهدي يكتب : في ذكري يوم إفريقيا: نداء الاستقلال والنهضة المستدامة… نضال القارة نحو المستقبل 

في الخامس والعشرين من مايو من كل عام، تحتفل قارة إفريقيا بيومها الوطني المشترك، الذي يُعد مناسبة لتجديد العهد مع الذات والتاريخ، وليس مجرد استذكار لحظة تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في 1963. فذلك اليوم لم يكن فقط نقطة انطلاق لتجمع دولي إقليمي، بل هو رمزٌ لشجاعة الشعوب الإفريقية في التحرر من الاستعمار، وبداية مسيرة طموحة لبناء مستقبل أفضل، قائم على الوحدة والتعاون والتنمية المستقلة.

تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية كان ثمرة رؤية جماعية قادتها شخصيات استثنائية مثل كوامي نكروما، جمال عبد الناصر، جولياس نيريري، هورست هوتو وغيرهم ممن حلموا بإفريقيا موحدة وقوية. لقد كانت اللحظة بمثابة إعلان رفض للفرقة والضعف، وإعلان ميلاد إرادة قارية لتجاوز التحديات التي خلفتها فترة الاستعمار. ورغم مرور أكثر من ستة عقود، لا تزال القارة تواجه تحديات معقدة، منها الهشاشة السياسية، والاعتماد الاقتصادي المفرط على الخارج، وضعف البنى التحتية، وأزمات التنمية المتعددة.

ولكن التاريخ يؤكد أن إفريقيا قادرة على الاستمرار في كتابة فصول نهضتها، ليس بالاعتماد على الغير، بل بإرادتها الذاتية. فالاستقلال السياسي لم يكن نهاية المطاف، بل بداية لمرحلة أكثر تحدياً: الاستقلال الاقتصادي، والتنمية المستدامة، والتمكين الحقيقي لشعوبها.

ولا يمكن الحديث عن مستقبل إفريقيا دون التطرق إلى الاقتصاد، وهو العمود الفقري لأي مشروع نهضوي. ما زالت أغلب دول القارة تعتمد بشكل كبير على تصدير المواد الخام دون قيمة مضافة، ما يجعلها عرضة لتقلبات الأسواق العالمية. ومن هنا يبرز أهمية الاستثمار في التصنيع، والزراعة الحديثة، والتكنولوجيا، والابتكار.

مشروع التكامل الاقتصادي الإقليمي، الذي يتمثل في السوق المشتركة الإفريقية (AfCFTA)، هو إحدى الخطوات الرائدة التي يجب أن تُعطى الأولوية لتعزيز حركة البضائع، والخدمات، ورأس المال، والأشخاص داخل القارة. هذا التكامل سيمكن إفريقيا من خلق أسواق ضخمة، وتوفير فرص عمل، وجذب الاستثمارات، مما يعزز من قدرتها التنافسية عالمياً.

وتمثل الفئة الشبابية أكثر من 70% من سكان إفريقيا، وهم القوة الحية التي يمكنها دفع عجلة التقدم نحو المستقبل. لكن التحدي يكمن في تمكين هؤلاء الشباب عبر التعليم الجيد، والتدريب المهني، وتهيئة بيئة حاضنة للابتكار وريادة الأعمال. ويجب أن تتضافر الجهود لإنشاء بنى تحتية معرفية وريادية تفتح لهم آفاقًا واسعة لتطوير مهاراتهم والمساهمة بفعالية في الاقتصاد القاري.

المرأة الإفريقية أيضًا جزء لا يتجزأ من النسيج التنموي، فهي شريكة في الإنتاج، وقائدة في مجالات متعددة. تعزيز مشاركتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ليس رفاهية، بل ضرورة لبناء مجتمع متوازن وقوي.

وتُعد الديمقراطية ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، لكنها يجب أن تُبنى على قيم محلية، تأخذ في الاعتبار السياق التاريخي والثقافي. التجارب التي حاولت تقليد نماذج خارجية لم تنجح دائمًا، لأن الديمقراطية ليست مجرد آليات وإجراءات، بل هي ثقافة وممارسة يومية تُعبر عن مشاركة المواطن وإرادته.

الاستقرار السياسي، والحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد هي معالم لا غنى عنها. والمصالحة الوطنية والحوار بين الشعوب وقادة الفكر والسياسة أمر ضروري لترسيخ وحدة القارة في مواجهة التحديات المعاصرة.

وتتميز إفريقيا بتنوع ثقافي غني، يشكل هوية مشتركة رغم اختلاف اللغات والأديان والتقاليد. الاعتزاز بهذه الهوية والتنوع هو سلاح قوي في مواجهة محاولات الهيمنة الثقافية الخارجية التي تهدف إلى إضعاف الروح القارية.

الثقافة هي التعبير الأعمق عن الذات، ومن خلال الفنون والأدب والتعليم يمكن بناء وعي جماعي يدعم قيم التضامن والتعاون.

بينما، تعد رؤية إفريقيا 2063 برنامجًا استراتيجياً شاملاً يمثل التزامًا قاريًا لبناء إفريقيا القوية، الموحدة، والمزدهرة. وتؤكد الرؤية على ضرورة العمل الجماعي والشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والشباب.

هذه الرؤية تؤمن بأن الإنسان هو الثروة الحقيقية، وأن الاستثمار في التعليم، والصحة، والبنية التحتية، والابتكار، والحوكمة هو السبيل إلى تحقيق التنمية الشاملة.

في يوم إفريقيا هذا، يجب أن نُدرك أن كتابة التاريخ بيدينا هي مسؤولية جماعية، تتطلب الالتزام الحقيقي والعمل المستمر. لا مكان للتقاعس أو انتظار حلول من الخارج. فالنهضة قادمة من الداخل، من إرادة الشعوب، من شبابها المبدع، من قياداتها الواعية.

ليكن يوم إفريقيا نقطة انطلاق نحو وحدة عملية وتكامل حقيقي بين كل أقاليم القارة، ليُصبح صوت إفريقيا مسموعًا في كل المحافل الدولية، ولتكون قارتنا، التي تحمل أعظم ثروات العالم البشرية والطبيعية، نموذجًا في الحرية والازدهار.

كل عام وإفريقيا تتقدم نحو مجدها الذي تستحقه… كل عام وشعوبها تناضل من أجل حرية حقيقية، وعدالة اجتماعية، وتنمية مستدامة.

 

* رامي زهدي .. خبير في الشؤون الأفريقية.

اقرأ المزيد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »