أخبار عاجلةاخبار افريقيا

استعادة الكرامة: جائزة ساليو تراوري تكرم تحقيقًا صحفيًا عن الفن الإفريقي المنهوب

في لفتة تعكس التحول العميق في الخطاب الإعلامي تجاه إفريقيا، أعلنت وكالة الأنباء الإسبانية EFE ومؤسسة “كاسا أفريكا” عن منح جائزة ساليو تراوري السابعة للصحافة لفريق Planeta Futuro التابع لصحيفة El País، تكريمًا لتحقيقهم الاستقصائي بعنوان “رحلة إلى الأصول الإفريقية للأشياء المسروقة”، والذي تناول قضية نهب التراث الإفريقي واستعادته خلال الحقبة الاستعمارية.

تزامن الإعلان مع الاحتفال بيوم إفريقيا، في إشارة رمزية واضحة إلى صميم الموضوع: العدالة، والهوية، وكرامة القارة التي عانت طويلًا من التهميش والسلب.

العدالة من خلال التعويضات: عام 2025 وعهد جديد لإفريقيا

تأتي هذه الجائزة في وقت مفصلي، حيث أعلن الاتحاد الإفريقي عام 2025 عامًا للعدالة والتعويضات للأفارقة وللأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي. وقد شمل هذا الإعلان مطالبة واضحة بإعادة الممتلكات الثقافية والفنية التي نُهبت خلال عصور الاستعمار وتجارة الرق، معتبرًا إياها خطوة حاسمة نحو إنهاء آثار الجرائم التاريخية، من الفصل العنصري إلى الإبادة الجماعية.

التحقيق الفائز يقدّم مساهمة جوهرية في هذا السياق، حيث يسلّط الضوء على رحلة استقصائية عميقة خاضها عشرات الصحفيين والمصورين والمصممين عبر عدة دول، بهدف تتبع مصير القطع الفنية الإفريقية المنهوبة، والكشف عن رمزية استعادتها في الوعي الجماعي الإفريقي.

من الإلهة نغونسو إلى حجر رشيد: ذاكرة مسروقة تنتظر العودة

من أبرز القطع التي تناولها التحقيق تمثال الإلهة نغونسو من الكاميرون (المعروض في متحف برلين)، والكنز الملكي في أبومي (الذي أعيد إلى بنين من فرنسا)، بالإضافة إلى حجر رشيد الشهير الذي تطالب به مصر منذ عقود، وطبول ساحل العاج الناطقة المحفوظة في متحف كاي برانلي في باريس.

تلك القطع وغيرها ليست مجرد رموز فنية؛ إنها ذاكرة مجتمعات كاملة، وقصص هوية وشعور بالانتماء سُلبت بالقوة خلال قرون من الاحتلال العسكري والمبشري والعلمي. يعيد التحقيق هذه القطع إلى سياقها الأصلي، حيث كانت تُستخدم في الطقوس، وتُخلّد التاريخ، وتُعلّم الأجيال.

استعمار مستمر: الذاكرة الغربية تحافظ على المسروق

يطرح التحقيق تساؤلات عميقة حول ازدواجية المعايير في تعامل المتاحف الغربية مع التراث المنهوب. ففي الوقت الذي ترفض فيه ألمانيا، مثلاً، الاستفادة من الفن اليهودي الذي نهبه النازيون، لا تُبدي نفس الحماسة في إعادة الآلاف من القطع الإفريقية التي حصلت عليها خلال الحقبة الاستعمارية.

ويكشف التقرير عن مفارقة لافتة: في حين يحتوي المتحف الوطني بالكاميرون على حوالي 6,000 قطعة فقط، فإن ألمانيا وحدها تحتفظ بنحو 40,000 قطعة أثرية كاميرونية. إنه اختلال صارخ في ميزان الذاكرة والعدالة.

الجائزة باسم ساليو تراوري: تكريم لصوت إفريقي حر

سُمّيت الجائزة باسم الصحفي السنغالي الراحل ساليو تراوري، الذي عمل طيلة أربعة عقود كمراسل لوكالة “إيفي” في غرب إفريقيا، ناقلًا صوت القارة إلى العالم الإسباني. وقد تم في النسخ السابقة تكريم صحفيين مرموقين ساهموا في تغطية الشأن الإفريقي بعمق واحترام، من أمثال خوسيه نارانجو، وتشافي ألديكوا، وغلوريا بالاريس.

النسخة السابعة تميزت بمنحها لجهد جماعي استثنائي، من تنسيق آنا كارباخوسا إلى مساهمات صحفيين مرموقين مثل لولا هييرو، خوسيه نارانجو، تشيما كاباليرو، ومارك إسبانيول، في مشروع يمزج بين التحقيق الصحفي والتوثيق التاريخي والمرافعة الأخلاقية.

استعادة الأشياء… واستعادة الكرامة

يؤكد التحقيق أن المطالبة بإعادة الممتلكات الإفريقية المنهوبة ليست مجرد إجراء إداري أو دبلوماسي؛ بل هي فعل سيادي ثقافي وتاريخي. كل قطعة تُعاد تمثل اعترافًا بقيمة المجتمعات التي صنعتها، وتُعيد لها جزءًا من سردها التاريخي الذي اختُطف لقرون.

كما قال أحد علماء الآثار المشاركين في التحقيق:
الاسترداد لا يعني فقط إعادة الأشياء، بل منح الأفارقة القدرة على إنتاج المعرفة حول ماضيهم“.

نحو خطاب إعلامي جديد عن إفريقيا

تسعى جائزة ساليو تراوري إلى تشجيع الإعلام الناطق بالإسبانية على تبني نظرة أكثر عمقًا وعدالة تجاه إفريقيا، بعيدًا عن القوالب النمطية التي تحصرها في صور الفقر والصراعات. ويُعد هذا التحقيق مثالًا حيًا على صحافة تُنير، وتُدافع، وتُعيد الاعتبار لمن يستحقون أن تُروى قصتهم بأصواتهم.

لذلك فإن الكرامة الإفريقية ليست سلعة تفاوضية، بل حق تاريخي. وكل قطعة فنية تُستعاد، هي خطوة نحو العدالة، والاعتراف، والسيادة الثقافية. وهذه الجائزة هي شهادة بأن الإعلام يمكن أن يكون شريكًا فاعلًا في معركة إعادة الذاكرة إلى أصحابها.

اقرا المزيد:-

وزير الزراعة المصري: حجم التجارة البينية بين الصين وافريقيا بلغ حوالي 185 مليار دولار خلال التسعة اشهر الأولى من عام2021 

مصر.. المتحف المصري الكبير يستقبل بعض الزيارات لبدء التشغيل التجربيبي والافتتاح

مصر: افتتاح مسجد الطنبغا الماريداني الذي تم بناءه قبل 500 سنة بعد ترميمه

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »