الدكتور أيمن السيسي يكتب : ليبيا … مواجهة الإنهيار أو الحرب

أدخلوا ليبيا في فوضى مدمرة ونهبوا أموال الشعب وفككوا مؤسساته لولا إصلاحا حدث في الشرق وحركة تعمير وإستقرار للبرلمان تحت حماية الجيش الوطني الليبي لغرقت البلاد كلها شرقا وغربا وجنوبا في الفوضى والإقتتال والنهب المدمر ، ودائما ما كان الشرق الليبي هو الذي يقود بقية ليبيا إلى الإستقرار. وتاريخيا أيضا كانت مصر هي الداعم والسند، منذ حروب السنوسية ضد الطليان بقيادة شيخ المجاهدين عمر المختار ، كما يشهد الغرب أيضا على دور عبد الرحمن باشا عزام (أول أمين للجامعة العربيىة ) في استقلال ليبيا وتوحيد أقاليمها الثلاث .
ستظل ليبيا جزء هاما من الأمن القومي المصري ، وهنا لابد من توضيح حقيقة هامة أن مصلحة ليبيا هي مصلحة حقيقية لمصر فأمنها مهم بالنسبة لمصر أمنيا وأستراتيجيا وإقتصاديا ، لذلك لا يمكن لمصر إلا الحفاظ على ليبيا في إطار سيادة الليبيين على بلادهم ، لأن مصر تتعامل بنبل وشرف مع كل قضاياها ، و تثق في قدرة العقلية الليبية في تسيير أمورها إن استقرت ، ولا تريد مصر –حسب فهمي ومعلوماتي – رهن إرادة الليبيين ولا قرارهم في القاهرة ، وأيضا ترفض رهن قرارهم في عواصم أخرى ، ولا تتعامل برغبة سرقة ولا استنزاف ونهب كما رأينا من بلاد أخرى دخلت ليبيا لنهبها خلال السنوات الماضية ، أما مصر فلم تنهب ليبيا منذ أن قام القذافي بانقلابه على الملك ( سبتمبر 1969 ) بل قدمت لليبيا كل ما كانت تطلبه من مساعدات ومساندات ، ولو تعاملت بغير شرف – كالآخرين – لكبلتها باتفاقيات عسكرية واقتصادية واستراتيجية خصوصا وأن القذافي كان يستشير مصر في كل شيء تقريبا ولايبرم أمرا إلا بعد رأي مصر ممثلا في شخصية اللواء ( السفير فيما بعد ) صلاح السعدني الذي أرسله الرئيس عبد الناصر يوم 3 سبتمبر1969 – ( وكان مديرا لمكتب وزير الحربية الفريق محمد فوزي برتبة مقدم وقتها ) – ضمن وفد مكون من حسنين هيكل وفهمي عمر وفتحي الديب (المخابرات العامة ) لمعرفة كنه هذا التغيير ، وكان الجميع يظن أنه إنقلاب بعثي يقوده رجل البعث في ليبيا عبد العزيز الشلحي ، وظل ( اللواء صلاح السعدني ) – بعد عودة الوفد المصري – ضابط إتصال ثم ملحق عسكري ثم سفيرا حتى عام 1977 عندما انهارت العلاقات بين البلدين ، ولو كانت مصر تطمع في ليبيا لما انهارت العلاقات خصوصا أن القذافي لم يكن يقدم على خطوة إلا بعد مناقشة وأخذ رأي اللواء صلاح السعدني حتى في أموره الخاصة مثل زواجه من السيدة صفية فركاش ( أم سيف ) .
وهنا أستعين من التاريخ ما يؤكد نبل مقاصد مصر في دعمها للمشير حفتر وهو دعم معلن غير خاف على أحد ، ولولا هذا الدعم لما أمن الناس في ليبيا (خصوصا في الشرق ) بعد أن ظلوا من 2011 إلى 2017 يعانون من الإرهاب الذي حصد رؤسا عديدة من خيرة أبناء ليبيا من ضباط القوات المسلحة والشرطة والقضاء والوطنيين الآخرين في قطاعات التعليم والخارجية والإعلام ، وأيضا – للتاريخ لما أمنت الحدود الغربية في مصر إلا بجهود أكبر- ولذلك تعمل القاهرة الآن على ضرورة التعجيل بانتخاب رئيسا جديدا للحكومة الليبية لإدارة البلاد إدارة متزنة تحفظ للشعب الليبي أمواله ودماء أبنائه عكس ما فعل الدبيبة الذي شهدت فترته أكبر عملية نهب للأموال الليبية في الدولة ، ولم يكن الحراك الشعبي الذي تفجر في طرابلس مؤخرا إلا رفضا لاستمرار النهب والفساد وتردي الخدمات الأساسية ودخول الليبيين في مرحلة من أخطر المراحل تأثيرا على مستقبلهم ، ومع تزايد الاحتقان بين التشكيلات المسلحة وتآكل قدرة المؤسسات على إدارة المشهد ولذلك تحول هذا الحراك إلى موجة غضب تهدد بالشلل التام لمؤسسات الدولة.
مشاهد المتظاهرين في شوارع طرابلس، وهتافاتهم الغاضبة ضد الفساد وغياب الحلول، تعكس حالة الإحباط العام وفقدان الثقة في الأجسام القائمة.، و تلوح في الأفق ملامح انهيار أمني شامل، قد يعيد ليبيا إلى دائرة الفوضى والعنف، ما لم يتم التحرك السريع نحو حل سياسي جامع وفعّال، و خطوة مجلس النواب في مناقشة المرشحين لرئاسة الحكومة يمثل أمل اللحظة الأخيرة لاختيار رئيس حكومة تتوافر فيه الكفاءة، و يمتلك المشروع الوطني، والقدرة على تنفيذه .
وفي ظل كثرة الطروحات، يبرز المترشح المهندس محمد أحمد المزوغي كأكثر الأسماء التي تحظى بتقدير واهتمام متزايد، مبنيا على مشروع عملي متكامل يواجه به التحديات الحالية ويخرج بليبيا من حالة الفوضى والنهب والخمول إلى واقع أفضل .
وما يميز مشروع المزوغي أنه لا يكتفي بوصف الواقع، بل يقدم حلولا واقعية تبدأ من إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتحسين أدائه، ومعالجة أزمات السيولة والكهرباء والصحة والتعليم بخطط تشغيلية سريعة، والأهم هو عدم تكبيل الدولة باتفاقيات طويلة الأمد ، وبناء دولة تتسع لجميع أبنائها.كما يولي المشروع أهمية خاصة للشفافية، والاعتماد على قواعد بيانات دقيقة، والاحتكام إلى المؤسسات، مع الحرص على تمكين الرأي العام من الوصول للمعلومة والمشاركة في صنع القرار.
المطلوب ليس فرض الوصاية، بل مساندة إرادة الليبيين في إنتاج قيادة تنفيذية تعكس تنوع المجتمع، وتحظى بثقة الداخل، وتعامل بندية من قبل الخارج ، وتنبئ شخصية محمد المزوغي، وكذلك معلوماتي عنه أنه يملك رؤية وطنية واضحة، ولم يتورط في خلاف أو أزمة أو فساد يجعله يحمل إرثا جدليا، فضلا عما يتمتع به من قبول اجتماعي واسع، وتوافق وهو ما تحتاجه ليبيا لإنجاح المرحلة القادمة.
لقد بات واضحا أن ليبيا لا تحتاج إلى حكومة جديدة بقدر ما تحتاج إلى نمط جديد من الحكومات – حكومة أزمة، حكومة قرار، حكومة انتقال ذكي نحو مستقبل مشرق.. وفي وقت باتت فيه الخيارات تضيق، خصوصا وأن حرب روسيا مع الغرب ستتمدد في مواطن النفوذ المتصارع عليها في الوطن العربي وأفريقيا وأهمها وأخطرها للجميع …ليبيا .
اقرأ المزيد
بيان مصري شديد اللهجة علي اقتحام وزير إسرائيلي ومستوطنين متطرفين للمسجد الأقصي المبارك