أكد تقرير صادر عن مجموعة “جي آي إس” الأوروبية المتخصصة في تحليل السياسات ومقرها لندن، أن الدبلوماسية المصرية تشهد انتعاشًا ملحوظًا في ظل تصاعد التوترات في منطقة الشرق الأوسط , مشيرا إلى أن التحركات السياسية المصرية تعكس رؤية استراتيجية عميقة من القيادة السياسية المصرية تجاه القضايا الإقليمية، وفهمًا واضحًا لتعقيدات المشهد الأمني والسياسي في المنطقة.
مصر تتصدر المشهد الإقليمي وسط أزمات غزة والشرق الأوسط
جاء التقرير تحت عنوان “إعادة بزوغ الدبلوماسية المصرية”، ليُسلّط الضوء على أداء مصر القوي على الساحة الدبلوماسية منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم. واعتبر التقرير أن مواقف مصر الصلبة تجاه التحديات الإقليمية، وعلى رأسها الحرب في غزة، تعكس عمق تأثيرها ونفوذها الإقليمي المتجدد.
وأشار التقرير إلى أن مصر استطاعت استثمار علاقاتها المتوازنة مع القوى الدولية الكبرى، كروسيا والولايات المتحدة، لتعزيز جهودها في حل الأزمة في غزة، مؤكدًا أن القاهرة كانت في صدارة الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسعت بقوة لتمرير خطة إعادة إعمار القطاع، إلى جانب التحذير المتواصل من مخططات التهجير القسري.
نفوذ إقليمي متجدد يعيد لمصر دور الوسيط المحوري
أبرز التقرير أن تطورات الوضع في غزة أعادت تسليط الضوء على الدور المحوري لمصر في إرساء السلام الإقليمي , موضحا أن القاهرة استثمرت تاريخها الدبلوماسي الطويل ومصالحها الاستراتيجية لتعيد تموضعها كوسيط رئيسي قادر على التأثير في مجريات الصراعات، بما يعزز مكانتها الجيوسياسية.
كما تناول التقرير التحديات التي واجهتها مصر منذ عام 2011، متضمنةً تداعيات جائحة كوفيد-19 التي كلفت الاقتصاد المصري نحو 16 مليار دولار، إضافة إلى تأثيرات الحرب في أوكرانيا على الأمن الغذائي وارتفاع أسعار الحبوب، مما زاد من التحديات التي واجهتها الدولة.
مكافحة الإرهاب: دبلوماسية متكاملة مع جهود الأمن الداخلي
خصص التقرير مساحة واسعة للحديث عن نجاحات مصر في مكافحة الإرهاب، لا سيما في شبه جزيرة سيناء، مؤكدًا أن العمل الدبلوماسي كان متكاملًا مع جهود أجهزة الدولة الأمنية والتنموية. ومنذ عام 2015، خاضت القاهرة حربًا شاملة ضد الإرهاب والتطرف العنيف، وسعت عبر القنوات الدبلوماسية إلى كسب دعم المجتمع الدولي وفضح الجهات الداعمة للإرهاب على المستوى العالمي.
وأشار التقرير إلى أن النجاح المصري في دحر الإرهاب جاء على ثلاثة مستويات:
-
ميدانيًا: عبر الحملات الأمنية الناجحة.
-
اجتماعيًا وتنمويًا: من خلال إطلاق برنامج اقتصادي تنموي في سيناء.
-
دبلوماسيًا: ببناء تحالفات إقليمية ودولية ضد الإرهاب والفكر المتطرف.
حرب غزة 2023: اختبار حقيقي للدبلوماسية المصرية
أوضح التقرير أن اندلاع الصراع في غزة في 7 أكتوبر 2023 شكّل تحديًا جديدًا للدبلوماسية المصرية، مؤكداً أن القاهرة لعبت دورًا رئيسيًا في وقف إطلاق النار من خلال الوساطة النشطة، مستفيدة من شبكة علاقاتها مع جميع الأطراف، سواء الفلسطينية أو الإسرائيلية.
واعتبر التقرير أن النهج المتوازن الذي تتبعه مصر في سياستها الخارجية مكّنها من الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة وروسيا في الوقت ذاته، وهو ما جعلها موضع ثقة لدى مختلف القوى الفاعلة.
موقع استراتيجي وعلاقات مؤثرة تعزز الدور المصري
كشف التقرير عن أن مصر تدرك تمامًا ما تمتلكه من أوراق قوة، سواء من حيث موقعها الجغرافي المحاذي لقطاع غزة أو علاقاتها مع مختلف الفصائل الفلسطينية، ما يمنحها نفوذًا دبلوماسيًا فريدًا لا تمتلكه أي دولة أخرى في المنطقة. هذا النفوذ، بحسب التقرير، كان من أبرز العوامل التي دفعت القضية الفلسطينية للعودة إلى صدارة الاهتمام العربي والدولي.
تحولات في المنطقة: من الأيديولوجيا إلى المصالح الأمنية والاقتصادية
تناول التقرير التغيرات العميقة في بنية العالم العربي، مشيرًا إلى أن الصراع في غزة أظهر نهاية زمن الأيديولوجيات وسيطرة الحسابات الأمنية والتنموية على السياسات الإقليمية. واعتبر أن غزة -رغم كونها مأساة إنسانية- تحولت إلى ساحة لإبراز القدرة الدبلوماسية للدول ذات النفوذ الحقيقي في سبيل تحقيق مصالحها الوطنية.
مصر تعيد رسم خريطة السلام الإقليمي: من فلسطين إلى ليبيا والسودان
اختتم التقرير بالإشارة إلى أن النجاحات الدبلوماسية المصرية في الملف الفلسطيني ستنعكس على أدوار قادمة ستلعبها مصر في ملفات أخرى ملتهبة، وعلى رأسها الأزمة في السودان والوضع في ليبيا. وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة جهودًا دبلوماسية مصرية مكثفة لتحقيق الاستقرار في هذين البلدين، في إطار استمرار القاهرة في أداء دورها كضامن للأمن الإقليمي.
إقرأ المزيد :
الخارجية المصرية تعقد لقاءات موسعة لشرح الخطة العربية لإعادة إعمار غزة
