الدكتور محمود فراج يكتب : التأثيرات الاقتصادية المحتملة للضربة العسكرية الإسرائيلية على إيران على القارة الأفريقية .. ” تحليل شامل”

إن التداعيات المحتملة للضربة العسكرية الإسرائيلية على إيران، على الرغم من كونها حدثًا إقليميًا في الشرق الأوسط، تمتد تأثيراتها لتشمل القارة الأفريقية بشكل كبير نظرًا للترابط المتزايد للاقتصاد العالمي وتأثر أفريقيا بالصراعات الجيوسياسية. نقدم هذا المقال تحليلًا علميًا ومنسقًا لأبرز هذه التأثيرات الاقتصادية، مع التركيز على آليات الانتقال وتأثيراتها المتعددة الأبعاد.
1. ارتفاع أسعار النفط والطاقة: المحرك الأساسي للاضطراب
تُعدّ منطقة الشرق الأوسط مركزًا حيويًا لإنتاج وتصدير النفط والغاز عالميًا. أي تصعيد عسكري كبير في هذه المنطقة يُمكن أن يُسبب ارتفاعًا حادًا وغير متوقع في أسعار النفط الخام، مما يُشكل ضغطًا هائلاً على الاقتصادات الأفريقية:
* زيادة تكاليف الاستيراد: تُعدّ غالبية الدول الأفريقية مستوردًا صافيًا للنفط. ارتفاع الأسعار يُترجم مباشرة إلى زيادة كبيرة في فاتورة وارداتها من الطاقة، مما يُؤدي إلى استنزاف الاحتياطيات الأجنبية ويُقلل من قدرة هذه الدول على تمويل واردات أخرى ضرورية.
* ضغوط تضخمية متصاعدة: يُترجم ارتفاع تكاليف الطاقة إلى زيادة في تكاليف الإنتاج والنقل عبر مختلف القطاعات الاقتصادية. هذا يُؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات النهائية، مما يُغذي التضخم ويُقلل من القوة الشرائية للمواطنين، خاصة الفئات الأكثر ضعفًا.
* تأثيرات على الموازنات الحكومية: تُجبر الحكومات الأفريقية على إنفاق المزيد لدعم الطاقة (إذا كانت تُقدم دعمًا) أو لتمويل مشاريع البنية التحتية، مما يُؤثر سلبًا على قدرتها على تخصيص الموارد لقطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم. حتى الدول الأفريقية المُنتجة للنفط قد تواجه تحديات بسبب تقلبات الأسواق وعدم اليقين في الإيرادات.
2. اضطراب سلاسل الإمداد العالمية والتأثير على التجارة
تُعتبر أفريقيا جزءًا لا يتجزأ من سلاسل الإمداد العالمية، وأي اضطراب في الشرق الأوسط يُمكن أن يُهدد تدفق السلع:
* تأثيرات على الملاحة البحرية: تُعدّ الممرات المائية الحيوية مثل مضيق هرمز والبحر الأحمر (بالقرب من قناة السويس) نقاط اختناق رئيسية للتجارة العالمية. أي تهديد لهذه الممرات يُمكن أن يُؤدي إلى:
* ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين: ستُضطر شركات الشحن إلى سلوك طرق بديلة أطول وأكثر تكلفة، أو ستزيد من أقساط التأمين البحري، مما يُزيد من تكلفة استيراد وتصدير السلع من وإلى أفريقيا.
* تأخيرات في التسليم ونقص في المخزونات: يُمكن أن تُؤدي التحويلات في المسارات البحرية إلى تأخيرات كبيرة في وصول السلع والمواد الخام، مما يُؤثر على الإنتاج الصناعي والزراعي ويُسبب نقصًا في بعض المنتجات الأساسية.
* تراجع التجارة العالمية: إذا تفاقم الصراع، فمن المرجح أن يُتباطأ النمو الاقتصادي العالمي، مما يُقلل من الطلب على الصادرات الأفريقية من المواد الخام والمنتجات الزراعية، ويُقلل بالتالي من إيرادات التصدير للدول الأفريقية.
3. هروب رؤوس الأموال وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة
تُعدّ أفريقيا وجهة جذابة للاستثمار في السنوات الأخيرة، ولكن الصراعات الجيوسياسية تُغيّر هذه الديناميكية:
* زيادة عدم اليقين والمخاطر: تُؤدي الأزمات الجيوسياسية إلى زيادة حالة عدم اليقين في الأسواق المالية العالمية. هذا يدفع المستثمرين إلى البحث عن “ملاذات آمنة” وسحب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، بما في ذلك الأسواق الأفريقية، مما يُؤدي إلى انخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر .
* تأثر العلاقات الاقتصادية مع إيران: لإيران علاقات تجارية واستثمارية مع بعض الدول الأفريقية، خاصة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية. أي ضربة عسكرية يُمكن أن تُعطّل هذه العلاقات وتُجمد المشاريع القائمة والمستقبلية.
* صعوبة الاقتراض: مع ارتفاع المخاطر المتصورة، تُصبح تكلفة الاقتراض على الدول الأفريقية في الأسواق الدولية أعلى، مما يُزيد من أعباء ديونها ويُقلل من قدرتها على تمويل مشاريع التنمية.
4. التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على الأمن الغذائي
تُعدّ القارة الأفريقية في صلب التحديات الغذائية، والضربة العسكرية يُمكن أن تُفاقم الوضع:
* ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية: تُؤثر زيادة تكاليف الطاقة والنقل بشكل مباشر على أسعار المواد الغذائية الأساسية المُستوردة مثل القمح والأرز وزيوت الطعام. كما ترتفع تكاليف الأسمدة التي يُعدّ إنتاجها كثيف الاستهلاك للطاقة، مما يُؤثر على الإنتاج الزراعي المحلي.
* اضطراب سلاسل الإمدادات الغذائية: يُمكن أن تُؤدي صعوبات الشحن واللوجستيات إلى نقص في الإمدادات الغذائية في الأسواق الأفريقية، مما يُفاقم أزمة الأمن الغذائي في الدول التي تُعاني بالفعل من الهشاشة.
* تأثر برامج المساعدات الإنسانية: تُصبح تكلفة تقديم المساعدات الغذائية والإنسانية أعلى بالنسبة للمنظمات الدولية مع ارتفاع أسعار الغذاء والشحن، مما يُقلل من حجم المساعدات التي يُمكن تقديمها للسكان المتضررين.
5. تداعيات على الموازنات العامة والقطاعات الاقتصادية الأخرى
* زيادة الإنفاق الدفاعي: قد تُضطر بعض الدول الأفريقية إلى إعادة تقييم أولوياتها الأمنية وزيادة الإنفاق الدفاعي في ظل تزايد حالة عدم الاستقرار الإقليمي والعالمي، مما يُحوّل الموارد بعيدًا عن التنمية.
* تأثر قطاع السياحة: قد تُؤدي المخاوف الأمنية العامة وارتفاع تكاليف السفر إلى تراجع في أعداد السياح القادمين إلى الدول الأفريقية، مما يُؤثر سلبًا على إيرادات السياحة التي تُعدّ مصدرًا هامًا للعملة الصعبة في العديد من البلدان.
الخلاصة: تحديات مضاعفة لجهود التنمية
باختصار، فإن الضربة العسكرية الإسرائيلية على إيران، تُشكل تحديًا اقتصاديًا متعدد الأوجه ومعقدًا للقارة الأفريقية. التأثيرات المترابطة لارتفاع أسعار الطاقة، اضطراب سلاسل الإمداد، تراجع الاستثمارات، والضغوط على الأمن الغذائي، تُهدد بتقويض جهود التنمية التي تُحرزها القارة وتُفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العديد من دولها. وهنا يبرز أهمية المرونة الاقتصادية والتنويع في الاقتصادات الأفريقية لمواجهة الصدمات الخارجية.
إقرأ المزيد
الدكتور محمود فراج يكتب : دور مصر المحوري في الاستثمار داخل القارة الإفريقية منذ عام 2015