أخبار عاجلةغرب افريقيا

تقارب تاريخي بين الكونغو الديمقراطية ورواندا في البحيرات الكبرى يغير المعادلات الأمنية

تُشكل منطقة البحيرات الكبرى في قلب القارة الأفريقية بؤرةً للتوترات الأمنية المزمنة، لا سيما في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الغني بالموارد. في هذا السياق المتأزم، يأتي اجتماع حاسم يركز على الوضع الأمني المضطرب، ويجري في ظل مؤشرات على تقاربٍ غير مسبوق بين العاصمتين المتنافستين تاريخياً، كيغالي و كينشاسا، مما يفتح باب الأمل لتحقيق استقرار إقليمي طال انتظاره.

الوساطة المستمرة وديناميكيات التغيير:

يواصل الرئيس النيجيري الأسبق، أولوسيجون أوباسانجو، الذي انخرط منذ عدة أشهر في عملية تيسير حوار سياسي شامل بين الأطراف المتنازعة، جهوده الدؤوبة. تتركز مشاوراته الحالية على هدفين استراتيجيين رئيسيين: تعزيز وقف إطلاق النار الهش في المنطقة، وبناء جسور التعاون الإقليمي بين دول البحيرات الكبرى.

هذه الجهود تُجري على خلفية تطور ملحوظ تمثل في اتفاق مارس الماضي بين الرئيسين الرواندي، بول كاجامي، و الكونغولي، فيليكس تشيسكيدي، في العاصمة القطرية الدوحة.

نص ذلك الاتفاق على وقف لإطلاق النار في شرق الكونغو الديمقراطية، على الرغم من استمرار تقدم عناصر حركة التمرد المعروفة باسم إم 23 (M23) في الميدان، مما يطرح تحديات عملية جسيمة أمام ترجمة الالتزامات السياسية إلى واقع ملموس. كما شهد المشهد الوساطي تحولاً آخر تمثل في انتقال دور الوساطة الإقليمية من أنغولا إلى توغو، مما يضيف بعداً جديداً للديناميكيات السياسية المعقدة.

ردود الفعل الدولية والإقليمية: قطيعة أم بارقة أمل؟

لم تمر هذه التطورات دون انتقادات لاذعة من بعض الأطراف الفاعلة والمعنية مباشرة بالصراع. ومن أبرز هذه الأصوات المنتقدة، الدكتور دينيس موكويغي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، الذي وجه سهام نقده الحاد نحو العملية الجارية.

وصف موكويجي العملية بأنها تفتقر إلى الشفافية المطلوبة، كما شجب عدم شموليتها، معرباً عن مخاوفه من إقصاء أصوات مهمة أو تجاهل جذور الأزمة المتشعبة.
بالمقابل،وقفت جهات فاعلة إقليمية ودولية مؤثرة موقفاً مغايراً تماماً، رحبت صراحة بهذه الخطوات. وأعربت الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب عدد من الوسطاء الأفارقة البارزين، عن ترحيبهم بهذه “الخطوة الحاسمة” على طريق إحلال السلام الدائم في منطقة طالما عانت ويلات الصراع. يرون في التقارب بين كيجالي و كينشاسا، رغم كل التحديات والعقبات، بارقة أمل حقيقية قادرة على تغيير المعادلة الأمنية الراهنة.

تحليل استراتيجي: التحديات والآفاق

بعض الخبراء في الشؤون الاستراتيجية، رأوا أن هذا التقارب، وإن كان إيجابياً في ظاهره، يواجه جملة من التحديات الجوهرية:

1. فجوة المصداقية:

استمرار قتال حركة M23 بعد اتفاق الدوحة يضعف مصداقية الأطراف الموقعة ويُغذي شكوكاً حول الإرادة الحقيقية لتنفيذ الاتفاقات على الأرض.

2. التحدي العسكري:

السيطرة على الجماعات المسلحة المتنوعة والمتشعبة المصالح في شرق الكونغو، وضمان التزامها بأي وقف لإطلاق النار، يبقى تحدياً هائلاً يتطلب آليات رقابة فعالة وقوة ردع مشتركة.

3. مخاوف الشمولية والشفافية:

انتقادات شخصيات مرموقة مثل موكويغي تُسلط الضوء على ضرورة ضمان مشاركة أوسع لجميع الفاعلين المحليين والمجتمع المدني، وضمان شفافية العمليات السياسية لبناء ثقة مستدامة.

4. استمرارية الوساطة:

انتقال الدور الوساطي بين الدول الأفريقية (أنجولا إلى توغو) يحتاج إلى تنسيق دقيق لضمان استمرارية الزخم وعدم ضياع المكتسبات.

5. الجذور الاقتصادية:

أي حل مستدام يجب أن يعالج الأسباب الجذرية للصراع، خاصة التنافس على الموارد الطبيعية وتقاسم عائداتها بشكل عادل، ودور الاقتصاد غير الرسمي في تغذية العنف.

ورغم هذه التحديات الكبيرة، فإن التقارب الحالي بين رواندا والكونغو الديمقراطية، مدعوماً بدعم دولي وإقليمي واضح، يمثل فرصة تاريخية لا ينبغي إهدارها. نجاح هذه المساعي سيعتمد بشكل حاسم على الجدية في تنفيذ وقف إطلاق النار، وشمولية الحوار السياسي، وشفافية العملية، وقدرة الوسطاء الجدد على معالجة الملفات العالقة بفاعلية. إن تحقيق سلام دقيق ومستدام في منطقة البحيرات الكبرى ليس مجرد حلم، بل هو ضرورة إنسانية واستراتيجية ملحة لاستقرار القارة الأفريقية بأسرها. الطريق لا يزال طويلاً وشائكاً، ولكن البداية الحالية تُشكل علامة فارقة تتطلب دعمًا وتشجيعًا مع الحفاظ على اليقظة والضغط لتحقيق نتائج ملموسة على الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »