المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية (FfD4): يطلق إطار عالمي جديد لمواجهة أزمات التمويل والديون
رئيس السنغال:35 دولة ضمن فئة "المديونية الحرجة" و60 أخري تواجه صعوبة في تمويل برامج الحماية الاجتماعية

تحت شعار “تمويل مستقبلنا”، انطلق اليوم المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية (FfD4)في إشبيلية بإسبانيا، بمشاركة قياسية تضم أكثر من 50 رئيس دولة وحكومة، و15,000 ممثل من الحكومات والمؤسسات المالية الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص. يهدف المؤتمر إلى معالجة فجوة التمويل البالغة 4 تريليون دولار اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030، في ظل تراجع حاد في التمويل الدولي وتصاعد أزمات الديون العالمية .
أبرز محاور المؤتمر والاتفاقات الأولية
1. اعتماد “التزام إشبيلية” (Compromiso de Sevilla): تم التوقيع على الوثيقة الختامية للمؤتمر بعد مفاوضات مكثفة، وتتضمن ثلاثة محاور رئيسية:
– تحفيز الاستثمارات الضخمة: من خلال إصلاح أنظمة الضرائب العالمية لضمان عدالة توزيع الأعباء الضريبية، ومكافحة التدفقات المالية غير المشروعة، وزيادة الشفافية في الإفصاح الضريبي للشركات متعددة الجنسيات والأفراد ذوي الثروات العالية .
– معالجة أزمات الديون: بوضع مبادئ طوعية لإعادة هيكلة الديون السيادية، وإنشاء عمليات تدريجية لتخفيف أعباء الديون على الدول منخفضة الدخل، خاصة تلك التي تنفق على خدمة الديون أكثر من إنفاقها على الصحة والتعليم .
– إصلاح العمارة المالية الدولية: دعم زيادة تمثيل الدول النامية في مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتعزيز آليات تنسيق السياسات بين هذه المؤسسات .
2. منصة إشبيلية للعمل (Sevilla Platform for Action):
أُطلقت كذراع تنفيذي للتزام إشبيلية، وتضم 130 مبادرة عملية، أبرزها: مبادرة “مفتشو الضرائب بلا حدود، توسيع نطاق برنامج التدريب على مكافحة التهرب الضريبي، الذي ساهم سابقاً في تعبئة 2.3 مليار دولار كإيرادات ضريبية إضافية للدول النامية .
“تحالف “ما وراء الناتج المحلي الإجمالي: بقيادة إسبانيا والأمم المتحدة، يهدف إلى تطوير مؤشرات جديدة لقياس التقدم الاقتصادي تركز على الرفاه الاجتماعي والاستدامة البيئية بدلاً من النمو المالي فقط .
مبادرة التمويل المحلي: تهدف إلى تعزيز قدرات الحكومات المحلية في الدول الفقيرة على تصميم وتنفيذ مشاريع تمويل تنموي قابلة للاستدامة .
-تحديات جسيمة تواجهها دول الجنوب.
في كلمته خلال الجلسة العامة، شدد الرئيس السنغالي بشير ديوماي فاي على ضرورة: “تعبئة الموارد المحلية عبر أنظمة ضريبية عادلة، ووقف نزيف التدفقات المالية غير المشروعة الذي يُقدَّر بـ 500 مليار دولار سنوياً من أفريقيا وحدها، وأن التنمية السيادية لا تعني الانعزال، بل تعني شراكات تقوم على الكرامة والمساواة”.
وحذر من أن 35 دولة منخفضة الدخل توضع حالياً في فئة “المديونية الحرجة”، بينما تواجه أكثر من60 دولة صعوبة في تمويل برامج الحماية الاجتماعية الأساسية بسبب تقلص المساعدات الرسمية .
انتقادات وجهود تصحيحية
على الرغم من الإجماع الدولي حول الوثيقة الختامية، أشارت منظمات مجتمع مدني مثل أوكسفام و الاتحاد الدولي لنقابات العمال (ITUC) إلى وجود ثغرات خطيرة:
غياب آملة ملزمة لتخفيف الديون:
لا تتضمن الوثيقة إنشاء آلية دائمة لإعادة هيكلة الديون تحت مظلة الأمم المتحدة، مما يترك الدول الفقيرة رهينة لمفاوضات فردية مع الدائنين .
– تراجع المساعدات الإنمائية:
في وقت تشهد فيه أكبر موجات قطع للمساعدات منذ 1960، حيث خفضت الولايات المتحدة 80% من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وتقلصت مساهمات ألمانيا وبريطانيا وفرنسا لصالح الإنفاق العسكري .
– عدم كفاية الضوابط على التمويل الخاص:
تظل آليات مساءلة القطاع الخاص غامضة، مما يهدد بتحويل الموارد العامة إلى مشاريع غير فعّالة أو غير شفافة .
رداً على ذلك، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: إن “إشبيلية ليست نقطة نهاية، بل منصة انطلاق لعصر جديد من التضامن، التحدي الآن هو تحويل الالتزامات إلى نتائج ملموسة”.
ـ المشاركون الدوليون
يذكر أنه يشارك في المؤتمر قادة مؤسسات مالية دولية مثل: كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، و أجاي بانجا رئيس البنك الدولي، نجوزي أوكونجو إيويالا، مديرة منظمة التجارة العالمية .
كما يُعقد على هامش المؤتمر المنتدى الدولي للأعمال، الذي يجمع رؤساء شركات كبرى ومستثمرين لبحث سبل تعبئة 17 تريليون دولار من القطاع الخاص لسد فجوة تمويل التنمية .
و يختتم المؤتمر أعماله يوم 3 يوليو، مع تركيز الدول المشاركة على: مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية 2026 كفرصة لمراجعة التقدم في تنفيذ “التزام إشبيلية”.
– تعزيز الشراكات الإقليمية, مثل مبادرة “السنغال 2030” التي تهدف لرفع نسبة تحصيل الضرائب المحلية إلى 20%من الناتج المحلي.
وفي ظل تحذيرات الأمم المتحدة من أن 86% من أهداف التنمية المستدامة لا تسير على المسار الصحيح، يظل نجاح المؤتمر رهناً بالقدرة على تحويل الطموحات إلى سياسات ملموسة — خطوة لا تحتمل التأجيل .