أخبار عاجلةالرأي

اسيا العتروس تكتب : بعد مؤتمر عرب لندن .. هل تنجح الجالية العربية في بريطانيا فيما فشلت فيه الجالية العربية الأمريكية ؟  

عندما نتحدث عن اللوبيات المؤثرة في مؤسسات صنع القرار تقفز إلى الأذهان مباشرة صورة اللوبي اليهودي المتغلغل من أمريكا إلى أوروبا , فليس سرا أن هذه اللوبيات امتلكت و منذ القرن الماضي المفاتيح الثلاثة لاختراق هذه المؤسسات بالمال والأعمال والإعلام لتحقيق مخططاتها وأهدافها التي لا تخلو من القذارة و الخداع , و قد ظل السؤال المطروح دوما لماذا يفشل العرب في أن يكون لهم لوبي مؤثر حيث تتجمع جاليات عربية وإسلامية كثيرة تمتلك من القدرات و الإمكانيات ما لم يقع استثماره حتى الآن؟..

و غالبا ما كان الراحل كلوفيس مقصود ممثل جامعة الدول العربية بالأمم المتحدة و الراحل صبحي غندور مؤسس المركز العربي الأمريكي بواشنطن يتفقان في موقفهما بأن الفشل غالبا ما يرافق الجاليات العربية في المهجر لأنها مقيدة ومحكومة بنفس الخلافات و الصراعات التي تهيمن في أوطانها وأساسها مشكلة الزعامة و التفرد بالرأي ، فلم تنجح بالتالي برغم عددها و رغم ثرواتها الطائلة و كفاءاتها و مفكريها و نخبها السياسيين و القانونيين في أن تصنع لها موقعا في الدول التي هاجرت إليها واستوطنت فيها منذ عقود طويلة .

.نستعيد كل ذلك ونحن نتابع أشغال المؤتمر التأسيسي من أجل لوبي عربي فاعل داخل بريطانيا و الذي انعقد يوم الأحد 29 جوان ” يونيو ” و قد أمكنني مواكبته أثناء وجودي بالعاصمة البريطانية لندن , يمكن اعتبار أن المؤتمر الذي كان على درجة من التنظيم شكل خطوة مهمة لا يستهان بها لعدة اعتبارات و أولها أنه ياتي في بلد كان ولا يزال مهد وعد بلفور المشؤوم الذي دفع العرب والفلسطينيين بالدرجة الأولى ثمن تداعياته المأساوية والكارثية على أجيال متعاقبة .

بما يعني أيضا أن التحديات لن تكون هينة وأنه سيكون من المهم الاستثمار في كل الإمكانيات ليفرض المؤتمر بصمته في المشهد السياسي والإعلامي البريطاني المتحيز و تتحول الدعوة إلى توحيد صفوف عرب لندن في المهجر إلى واقع ملموس على واقع و آفاق هذه الجالية أيضا .

و بالعودة إلى مؤتمر عرب لندن الذي تخللته عديد المداولات والنقاشات للقضايا المصيرية العالقة وفي مقدمتها كيفية استمرار دعم القضية الفلسطينية و دعم مطالب و حقوق عرب لندن بمختلف الاسلحة الفكرية و الثقافية المتوفرة , فإن الأرجح أن المبادرة لم تأتي من فراغ و لم تولد أيضا فجأة بل سبقتها محاولات وجهود انحصرت في الفعاليات الثقافية والأدبية والفكرية و آن الأوان أن تخرج من هذا الإطار وتسعى لتوسيعه ليشمل المجال السياسي والإعلامي بما يعزز حضور الجالية في اقتلاع مزيد من المكاسب كمواطنين البريطانيين في الانتخابات المحلية و البرلمانية ..و الحقيقة أنه مهما كانت المؤاخذات على توجهات السياسة الخارجية البريطانية التي تتصف بالانحياز الأعمى المطلق للحليف الإسرائيلي فإن السقف القانوني وما يتيحه من مجال لحرية التنظم و التعبير مسألة لا يمكن التفويت فيها و يكفي أن نستحضر أن المظاهرات المؤيدة لغزة التي كانت ممنوعة باتت مشهدا يوميا يعكس صحوة شعبية تتمدد في كل العالم وأن الاعلام العمومي البريطاني الذي كان ينظر لما يجري في غزة بعين إسرائيلية لا تقبل التشكيك بدأ يتحدث عن الرواية الفلسطينية وهذه خطوات مهمة وجب البناء عليها وعدم الاكتفاء بها .

أسباب كثيرة يمكن القول تستوجب تأسيس هذا اللوبي العربي الذي يعد خطوة تأخرت كثيرا وأنها ستحتاج الآن إلى قوة دفع بحجم الأولويات و التحديات و المخاطر التي تعيشها الجالية العربية في بريطانيا في مناخ سياسي يسوده التطرف و العنصرية البغيضة و صراع الهوية و لكن أيضا يهيمن عليه التشتت وتغيب عنه وحدة الصف و القناعة بأهمية و دور الجاليات العربية في الوصول إلى مؤسسات صنع القرار والقدرة على التأثير عليها .

طبعا يمكن القول أن لغياب هذا اللوبي في بريطانيا كما في دول أوروبية أخرى و في أمريكا أيضا تداعياته الخطيرة حيث تكتسح اللوبيات اليهودية كل المجالات السياسية و المالية و الإعلامية و تفرض سياساتها و مخططاتها بكثير من الوقاحة .

ومن هذا المنطلق فإن إطلاق مثل هذه المبادرة في بريطانيا يستوجب المضي قدما في الدفع بهذا المسار إلى ما لا نهاية و تحويله من إطار الحبر والورق إلى أرض الواقع , وهذا بالتأكيد يبدأ بتكريس القناعة بأن التشتت ليس قدرا و أنه بالإمكان تحقيق هذه المبادرة ,وأن الجالية العربية في بريطانيا بكل مكوناتها تمتلك من الإمكانيات والكفاءات في مختلف المجالات ما يؤهلها لاكتساح المشهد و عدم التراجع أو التردد.

صحيح أن ذاكرتنا مثقلة بهموم الانقسامات و التشرذم العربي سواء في جامعة الدول العربية الحاضر الغائب أو منظمة المؤتمر الاسلامي وأن الحديث عن وحدة عربية لا يزال محاط بالفشل والإحباط و الأوهام , و لكن كل ذلك لا يجب أن يقلل من المبادرة بل يجب أن يكون سببا و دافعا لكسب الرهان .

نكاد نجزم أنه ستكون هناك محاولات لاجهاض المشروع في المهد و ربما محاولات أيضا لشيطنته ولكن الأكيد أن الحاجة لهذا اللوبي العربي للتأثير على دوائر القرار أكيدة و لا يمكن أن تتأخر أكثر مما تأخرت . مهما كانت الأرقام و الاحصائيات حول عرب لندن في مختلف أنحاء المملكة فقد باتوا أمام اختبار حاسم و سيتعين كسب الرهان .

لكن في المقابل هناك تساؤلات مشروعة تفرض نفسها على المبادرة باتجاه مزيد التنسيق و التشبيك و الانفتاح على الآخر , فهل ستتوقف مبادرة اللوبي العربي عند الجاليات العربية الموزعة في مختلف أنحاء بريطانيا و هل سيتم فتح المجال أمام الجاليات المسلمة من الهند و باكستان و بنغلاديش و ماليزيا وإندونيسيا التي بإمكانها أن تعزز المبادرة و هل ستنفتح المبادرة على الأفارقة وكل هذه التساؤلات مهمة في عالم يبحث عن التكتلات و الانصهار وتوحيد الأهداف الاستراتيجيات ؟

لا ندعي امتلاك الأجوبة و لكن وجب الانتباه و العمل على تهيئة الأرضية للاستفادة من التجارب السابقة التي انتهت بالفشل فالمرحلة هي الأخطر فيما يتعلق بمستقبل الأجيال و الأوطان العربية .

اقرأ المزيد

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »