عمر مختار الأنصاري يكتب: حكم صيام يوم عاشوراء إذا وافق يوم السبت

يطلّ يوم عاشوراء، العاشر من محرم، كل عام يحمل في طياته فضلًا عظيمًا، إذ يُستحب صيامه لما ثبت في فضله من أحاديث صحيحة تنير درب المؤمنين. غير أن موافقته ليوم السبت تثير تساؤلًا فقهيًا حول جواز صيامه منفردًا، نظرًا لورود أحاديث -وإن ضعفت- تنهى عن تخصيص يوم السبت بالصوم. في هذا المقال، نستعرض آراء المذاهب الفقهية الأربعة في هذه المسألة، مستندين إلى نصوص كتبها المعتمدة، مع ترجيح الرأي الأحوط للمسلم.
أولًا: فضل صيام يوم عاشوراء ودليله
ثبت في فضل صيام عاشوراء ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (ح 1130) عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله”. ويُستحب إضافة يوم قبله أو بعده لمخالفة اليهود، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: “لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع” (رواه مسلم، ح 1134)، وقوله: “صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده” (رواه أحمد، ح 2155، وحسّنه بعض أهل العلم).
فإذا وافق عاشوراء السبت، فهل يجوز صيامه منفردًا، أم يعتر الكراهة سبيله؟
ثانيًا: آراء السادة أهل المذاهب الفقهية في صيام يوم السبت
1. المذهب الحنفي
يذهب السادة الحنفية إلى جواز صيام السبت منفردًا إذا اقترن بسبب شرعي، كصيام عاشوراء أو قضاء أو نذر، ويكرهون تخصيصه بالصوم تطوعًا مطلقًا إذا قصد به التشبه باليهود، فإن عاشوراء سنة مؤكدة لا يشمله النهي. جاء في “فتح القدير” للإمام ابن الهمام -رحمه الله- (2/243): “وأما صوم يوم السبت فلا بأس به إذا لم يقصد به التشبه باليهود، وإنما يكره إذا قصد به ذلك، والأحاديث في النهي عنه ضعيفة”. وحديث النهي: “لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم” (رواه أبو داود، ح 2413) ضعيف عند جمهور المحدثين.
يتضح : أن صيام عاشوراء يوم السبت جائز بلا كراهة، لأنه سنة مؤكدة تنأى عن شبهة التشبه.
2. المذهب المالكي
يرى السادة المالكية كراهة إفراد السبت بالصوم إذا كان تطوعًا مطلقًا لمشابهة اليهود، لكن صيام عاشوراء جائز لأنه سنة مؤكدة تخرج عن دائرة التطوع المطلق. جاء في “المدونة” للإمام مالك -رحمه الله- (1/286): “يكره صيام يوم السبت منفردًا إذا كان تطوعًا، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صيام يوم السبت والأحد”.
لكن حديث النهي (رواه النسائي، ح 2366) ضعيف، وصيام عاشوراء مستثنى لنص خاص في فضله، لا سيما مع إضافة التاسع أو الحادي عشر.
يتبين : أن صيام عاشوراء يوم السبت جائز، ويُستحب إضافة يوم قبله أو بعده لإتمام الفضيلة.
3. المذهب الشافعي
لا يرون السادة الشافعية مانعًا من صيام السبت منفردًا، سواء كان تطوعًا أو واجبًا، وصيام عاشوراء سنة مؤكدة لا كراهة فيه. جاء في “المجموع شرح المهذب” للإمام النووي -رحمه الله- (6/428): “الأحاديث في النهي عن صيام يوم السبت ضعيفة، والأصل جواز الصيام في جميع الأيام، وصيام عاشوراء سنة مؤكدة لا يشمله النهي المزعوم”.
بناء على ذلك : صيام عاشوراء يوم السبت جائز بلا كراهة، مع استحباب صيام التاسع معه لاستيفاء المقصد الشرعي.
4. المذهب الحنبلي
يكره السادة الحنابلة إفراد السبت بالصوم إذا كان تطوعًا مطلقًا، لكن صيام عاشوراء جائز لأنه سنة مؤكدة. جاء في “كشاف القناع” للإمام البهوتي -رحمه الله- (2/318): “ويكره إفراد يوم السبت بالصوم إلا في الفرائض والسنن المؤكدة كعاشوراء، لما روي عن النهي، وهو ضعيف”.
يتضح : أن صيام عاشوراء يوم السبت جائز، ويُستحب إضافة يوم قبله أو بعده لتحقيق المخالفة.
ثالثًا: إعمال قواعد أصول الفقه في المسألة
منهج أصول الفقه يقتضي تدقيق الأدلة ووزنها. الأحاديث المانعة من صيام السبت، كحديث أبي داود (ح 2413) والنسائي (ح 2366)، ضعيفة، كما قال الإمام ابن حجر -رحمه الله- في “فتح الباري” (4/113): “حديث النهي عن صيام السبت ضعيف لا يثبت”.
وقاعدة “الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل المنع”* تقتضي جواز الصيام ما لم يثبت نهي صحيح. وصيام عاشوراء سنة مؤكدة بدليل خاص، فلا يشمله نهي ضعيف.
كما أن قاعدة “الخاص يقدم على العام” تجعل نصوص فضل عاشوراء مقدمة على النهي المزعوم، إذ النص الخاص أقوى سندًا وأصرح دلالة.
وعلة النهي -إن صحت- هي التشبه باليهود، وهي تزول بصيام التاسع أو الحادي عشر، مما يحقق قاعدة “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”. ويؤكد ذلك قاعدة “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”.
فإن كان النهي متعلقًا بالتشبه، فإن صيام عاشوراء بنية خالصة لله ينفي هذا التشبه.
رابعًا: الراجح في المسألة
بضوء الأدلة وإشراق قواعد الأصول، يتجلى أن الأخبار المانعة من صيام السبت ضعيفة، فلا تعارض جواز الصيام عمومًا. ونصوص فضل عاشوراء الصحيحة تقتضي استحبابه، إذ هو سنة مؤكدة لا تطوعًا مطلقًا، فلا يندرج تحت كراهة السادة الحنابلة أو المالكية. وإضافة يوم التاسع أو الحادي عشر تزيل شبهة التشبه باليهود، وتتماشى مع مقصد الشرع في المخالفة، فتجمع بين فضيلة الصيام وكمال المقصد.
خامسًا: الخلاصة والتوصية
إن علة النهي عن إفراد السبت بالصوم -إن صحت- هي التشبه باليهود، وهي ذاتها علة إفراد عاشوراء بالصيام، فيُستحب صيام يوم قبله أو بعده في كل حال، ويتأكد هذا الاستحباب إذا وافق عاشوراء السبت لتكرار العلة.
الحكم : يجوز صيام يوم عاشوراء إذا وافق السبت بلا كراهة عند جميع السادة أهل المذاهب الأربعة، لأنه سنة مؤكدة بدليل خاص، وليس تطوعًا مطلقًا. ويُستحب للمؤمن أن يزين صيامه بإضافة التاسع أو الحادي عشر، فيجمع بين فضل عاشوراء ومخالفة اليهود، تحقيقًا لمقاصد الشرع واستيفاءً للسنة النبوية.
والله أعلم.
* عمر مختار الأنصاري .. كاتب وسياسي من دولة النيجر .
اقرأ المزيد