تنزانيا: استقالة مفاجئة لرئيس الوزراء ومؤشرات على إعادة رسم خريطة الحكم

في تطور سياسي مفاجئ، أعلن رئيس وزراء تنزانيا، قاسم ماجاليوا، استقالته وعدم ترشحه للانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في أكتوبر ، مما يطيح بإمكانية استمراره في المنصب، ويضع الساحة السياسية في البلاد أمام مرحلة جديدة قبيل الانتخابات العامة المرتقبة.
ماجاليوا، الذي شغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2015، أعلن قراره “بتوجيه من الله”، معتبرًا أن الوقت قد حان “للسماح للآخرين بالبناء على ما بدأناه”، دون تقديم توضيحات إضافية، في خطوة اعتبرها مراقبون تحوّلًا محسوبًا ضمن ترتيبات سياسية أوسع تقودها الرئيسة سامية سولوهو حسن.
انسحاب تكتيكي أم إعادة تموضع داخل الحزب؟
استقالة ماجاليوا تأتي بعد أسابيع من إعلان نائب الرئيس فيليب مبانجو تقاعده، مما يعزز فرضية أن الرئيسة سامية تسعى لإعادة تشكيل فريقها القيادي داخل حزب تشاما تشا مابيندوزي (CCM) الحاكم، في محاولة لضمان ولاء سياسي مطلق خلال ولايتها الثانية المحتملة.
ويرى محللون أن انسحاب ماجاليوا، وهو مسلم ينتمي إلى جنوب البلاد مثل سامية، قد يكون جزءًا من ترتيبات تهدف لتحقيق توازن دقيق في تمثيل الأقاليم والأديان، خاصة أن تنزانيا تُعرف بتركيبتها الدينية المتنوعة، ذات الأغلبية المسيحية والأقلية المسلمة المؤثرة.
إرث سامية: إصلاحات اقتصادية واتهامات بالارتداد السياسي
منذ توليها الحكم في مارس 2021 عقب وفاة الرئيس جون ماجوفولي، حاولت سامية كسر بعض القيود السياسية والاقتصادية التي فرضها سلفها، وأطلقت مبادرات لتحسين بيئة الاستثمار، وتخفيف القيود على الإعلام، ودفع البلاد نحو مزيد من الانفتاح الاقتصادي.
أبرز إنجازات الرئيسة في ولايتها الأولى:
استئناف العلاقات مع المجتمع الدولي بعد فترة من العزلة في عهد ماجوفولي.
تبني خطة تنموية شاملة تستهدف البنية التحتية، والطاقة، والزراعة.
تعزيز الشفافية المالية وتحسين بيئة الأعمال لتشجيع الاستثمارات الأجنبية.
رفع الحظر عن بعض وسائل الإعلام المستقلة وفتح قنوات حوار مع المعارضة في بداية عهدها.
لكن هذه الصورة بدأت تتغير تدريجًا، إذ تواجه سامية الآن انتقادات متزايدة من منظمات حقوق الإنسان، التي تتهمها بـ”إعادة تدوير أدوات القمع القديمة” تحت غطاء دستوري جديد.
قمع المعارضة: عودة إلى الوراء؟
يواجه حزب تشاديما المعارض تحديات حادة، بعدما مُنع من خوض الانتخابات البرلمانية بسبب رفضه التوقيع على ميثاق الأخلاقيات الانتخابية، وهو ما اعتبره مراقبون وسيلة لإقصاء الخصوم السياسيين. كما يواجه زعيم الحزب، توندو ليسو، تهمًا بالخيانة، وسط اتهامات بمحاولة تسميمه أثناء احتجازه، وهي اتهامات نفتها الحكومة “بشكل قاطع”، ووصفتها بـ”الادعاءات الكاذبة” التي “تعرض الأمن القومي للخطر”.
وقد تعرض عدد من نشطاء المعارضة للاعتقال أو الاختفاء، في ظل ما وصفته جماعات حقوقية بـ”العودة إلى أجواء الخوف السياسي”، رغم الوعود بالإصلاح والمصالحة.
استقرار اقتصادي مشوب بالحذر
على الصعيد الاقتصادي، أظهرت تنزانيا صمودًا نسبيًا في وجه التحديات العالمية، مستفيدة من التنوع في قطاعاتها (الزراعة، التعدين، السياحة). وسجل الاقتصاد معدل نمو تجاوز 5% خلال 2024، مدفوعًا بالاستثمارات العامة والبنية التحتية، وخاصة مشاريع الطاقة والنقل.
إلا أن البلاد تواجه تحديات مثل: ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، بطء وتيرة التوظيف في القطاع الصناعي، الاعتماد الكبير على المساعدات والقروض الدولية، تزايد فجوة الدخل بين الحضر والريف.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، من المرجح أن يتحول الاقتصاد إلى ساحة للصراع السياسي، خاصة أن سامية تراهن على برنامجها الاقتصادي لجذب تأييد الطبقة الوسطى ورواد الأعمال.
انتخابات 2025: هل يستمر حزب الثورة في الهيمنة؟
منذ تأسيسه عام 1977، لم يخسر حزب CCM أي انتخابات رئاسية، ويُرجح أن يحافظ على هذه الهيمنة في الاستحقاق المقبل. لكن المراقبين يرون أن الحزب يواجه ضغوطًا متزايدة بسبب التغيّر الديموغرافي، وارتفاع وعي الشباب، والاحتقان السياسي.
الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء، وتقاعد نائب الرئيس، وحالة القلق في صفوف المعارضة، كلها مؤشرات على أن الانتخابات المقبلة ستكون مفصلية في رسم مستقبل الحكم في تنزانيا.