زلزال سياسي يضرب حزب الأمة القومي: سحب التكليف من برمة ناصر

في خطوة وصفت بأنها الأخطر على تماسك القيادة داخل حزب الأمة القومي منذ اندلاع الأزمة السودانية الأخيرة، أعلن رئيس الحزب المكلف محمد عبدالله الدومة أن مؤسسة الرئاسة بالحزب قررت سحب التكليف من اللواء معاش فضل الله برمة ناصر، الذي كان يتولى مهام الرئيس المكلف للحزب.
وقال الدومة في مؤتمر صحفي عقده في مدينة بورتسودان، إن هذا القرار جاء نتيجة ما وصفه بـ “الانحراف عن المسار المؤسسي”، مؤكدًا أن برمة ناصر اتخذ قرارات منفردة دون الرجوع إلى مؤسسات الحزب المدنية، وأنه انضم إلى تحالف مسلح متمرد ضد الشعب السوداني، في إشارة إلى ما يُعرف بتحالف “تأسيس” الذي تقوده قوى مسلحة مقرها نيروبي.
الدومة: اختطاف قرار مؤسسة الرئاسة خط أحمر
وأوضح الدومة أن انضمام برمة ناصر إلى تحالف نيروبي لم يكن فقط تصرفًا خارج سياق الحزب، بل محاولة لاختطاف قرار مؤسسة الرئاسة التي تمثل القيادة العليا في الحزب. وأكد أن هذا التصرف خرق صريح للشرط الأساسي لتكليفه بالمنصب، والذي نصّ بوضوح على ضرورة العمل ضمن المؤسسات وعدم اتخاذ قرارات فردية.
وأشار إلى أن حزب الأمة القومي يرفض أي شكل من أشكال التعاون أو التنسيق مع القوى المسلحة المتمردة التي تسعى لتصفية الدولة السودانية ومؤسساتها.
تداعيات خطيرة تهدد وحدة الحزب
تأتي هذه الخطوة في ظل حالة من التوتر والانقسام داخل حزب الأمة القومي، إذ يُنظر إلى سحب التكليف من برمة ناصر على أنه انقسام عمودي في رأس القيادة، قد يؤدي إلى تعميق الخلافات الداخلية وظهور تيارات متصارعة داخل الحزب بين من يؤيدون التوجهات المدنية الكاملة، ومن قد يرون في التنسيق مع بعض الحركات المسلحة خطوة نحو التأثير السياسي.
ويرى مراقبون أن هذه الأزمة قد تُضعف من قدرة الحزب على لعب دور موحد وفاعل في مستقبل العملية السياسية بالسودان، لا سيما أن الحزب لطالما اعتُبر أحد الأعمدة التاريخية للعمل السياسي السوداني.
حزب الأمة يؤكد التزامه بالموقف المدني ويرفض المشاركة في الحكومة
وخلال المؤتمر، شدد محمد عبدالله الدومة على أن وفد الحزب الموجود حاليًا في بورتسودان لم يطلب من رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس الانضمام إلى الحكومة أو شغل أي مناصب تنفيذية، موضحًا أن الغرض من الزيارة إنساني وسياسي بحت.
وأضاف: “نحن لم نأت من أجل سلطة أو مناصب. هدفنا هو مراقبة الحكومة بطرق مدنية وقانونية، وتحقيق السلام والعدالة، وتقديم الإغاثة للمواطنين في ظل الأوضاع الكارثية التي تعاني منها البلاد”.
موقف صارم من القوات المسلحة: التصفية مرفوضة
من جانبه، أعلن الدكتور إبراهيم الأمين، نائب رئيس حزب الأمة القومي، رفض الحزب لأي دعوات أو تحالفات تسعى إلى تصفية أو تفكيك القوات المسلحة السودانية. وأكد أن الهدف من هذه المحاولات هو الهيمنة على السلطة وليس حماية مصالح المواطنين.
وقال الأمين: “نحن نؤمن أن القوات المسلحة يجب أن تبقى، ويجب تطويرها على أسس مهنية، ورفع قدراتها لتكون جزءًا من الدولة لا أداة في يد أطراف تسعى للسيطرة على الحكم”.
وأكد أيضًا أن مؤسسة الرئاسة داخل الحزب تعارض بشكل كامل قرار برمة ناصر بالانضمام إلى مجموعة نيروبي المسلحة، معتبرة ذلك خرقًا سياسيًا وتنظيميًا كبيرًا.
دعوة لعقد اجتماعي جديد ووحدة وطنية حقيقية
دعا الدكتور إبراهيم الأمين إلى وضع مشروع وطني جامع يفضي إلى عقد اجتماعي جديد، يخاطب القضايا الحقيقية التي يواجهها السودان. وقال إن على القوى السياسية أن تبتعد عن المحاكمات السياسية والانتقام، وأن تركز على صياغة قانون عادل يحسم كل النزاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بطريقة قانونية وسلمية.
وضع برمة ناصر وعبدالرحمن الصادق داخل الحزب
وأوضح الأمين أن اللواء برمة ناصر لا يزال عضوًا بالحزب، وأن مصيره السياسي والتنظيمي سيتم حسمه من قبل المؤسسات المختصة داخل الحزب، وفقًا للوائح الداخلية. وأشار أيضًا إلى أن الأمير عبدالرحمن الصادق المهدي لا يشغل حاليًا أي منصب قيادي في الحزب، بعد تقاعده من الخدمة العسكرية، لكنه لا يزال يحتفظ بعضويته.
لحظة فارقة في مسار الحزب
ويري مراقبون أن حزب الأمة القومي يمر اليوم بـ منعطف دقيق وتاريخي، إذ يواجه تحديات داخلية غير مسبوقة قد تؤثر على تماسكه كأكبر الأحزاب التقليدية في السودان. وسيتوقف مستقبل الحزب على قدرته على احتواء الانقسامات، والتمسك بخطّه المدني الديمقراطي، والتماهي مع تطلعات الشعب السوداني في السلام والاستقرار، بعيدًا عن التحالفات المسلحة والانفراد بالقرار.
اقرأ المزيد