أخبار عاجلةغرب افريقيا

بوركينا فاسو تستعيد أكثر من 70% من أراضيها: مؤشرات لاستعادة الدولة في قلب العاصفة الجهادية

في لحظة دقيقة من تاريخ بوركينا فاسو، وبعد سنوات من الانهيار الأمني والاجتماعي بسبب التمرد الجهادي، تسجل الدولة اختراقًا مهمًا في استعادة سيادتها على أراضيها، وفق مسودة تقرير رسمي تمت المصادقة عليها خلال ورشة عمل حكومية واسعة النطاق.

التقرير، الذي يمثل حصيلة تقييم شامل لحالة الحوكمة في عام 2024، يكشف أن الدولة استعادت 71% من أراضيها، مقارنة بـ69% في العام السابق، في مشهد يُظهر بداية انحسار المد الجهادي، وإن كان المشهد لا يزال بعيدًا عن الاستقرار الكامل.

الاستعادة الإقليمية: أكثر من رقم

بعيدًا عن الأرقام، فإن استعادة هذه النسبة من الأراضي تمثل نجاحًا نسبيًا في مواجهة حالة التفتت الجغرافي والمؤسساتي التي أعقبت موجة العنف التي بدأت عام 2015. فما بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، تحولت مناطق شاسعة من الشمال والشرق إلى مسارح نفوذ موازٍ، تمارس فيها الجماعات المسلحة سلطة الأمر الواقع.

لكن هذه الاستعادة، وإن كانت رمزية في جانبها السياسي، تبقى هشة في ظل غياب البنية التحتية المدنية الكاملة، والتحديات المتعلقة بإعادة النازحين ودمج المناطق المحررة في المنظومة الوطنية.

عدالة واقتصاد.. محاور أخرى للتعافي

لم تقتصر المؤشرات الإيجابية على الجانب الأمني فقط، فقد شهد القطاع القضائي بعض التحسن، تمثل في إعادة فتح محكمتي “بوجاندي” و”توجان”، وانخفاض نسبي في متوسط المسافة التي يقطعها المواطن للوصول إلى العدالة – من 62 كيلومترًا إلى 60.

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد سجلت البلاد نموًا ملموسًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4%، وحققت قفزة في تعبئة الموارد المالية، حيث ارتفع حجمها من نحو 2000 مليار دولار أمريكي في 2023 إلى 3000 مليار في 2024، وفق ما أعلنه أحمد زامباليجري، رئيس إدارة الترويج والحوكمة الرشيدة. هذا التقدم يعكس جزئيًا تحسن كفاءة الإدارة المالية وتوسع القاعدة الضريبية رغم السياق الأمني الصعب.

الوجه الآخر: تحديات لا تزال ماثلة

ورغم هذه المؤشرات، لم يغفل التقرير عن الاعتراف بأن الطريق لا يزال طويلاً. فالجهاز البيروقراطي يئن تحت وطأة الضغط، والتنمية غير متوازنة، والتشظي الاجتماعي ما زال حادًا في بعض المناطق النائية.

وقد أُنيط بالمشاركين في الورشة، من وزارات وهيئات ومجتمع مدني، مهمة مراجعة وتدقيق محتوى التقرير وتقييم التوصيات، في خطوة تعكس التزامًا متزايدًا بمبدأ الشفافية والمساءلة أمام المواطنين.

إلى أين تتجه بوركينا فاسو؟

القراءة المتأنية لمضامين هذا التقرير تكشف أن بوركينا فاسو تخطو، ببطء وثبات، على طريق استعادة الدولة. لكن الواقع أكثر تعقيدًا من مجرد مؤشرات رقمية. فالتحدي الأكبر يكمن في بناء الثقة بين الدولة والمواطن، وفي تحويل الإنجازات العسكرية إلى استقرار دائم، تنعكس ثماره على البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

بوركينا فاسو لم تخرج بعد من نفق الأزمة، لكنها اليوم تقف على عتبة قد تقود، إن استُثمرت جيدًا، إلى لحظة تحول حقيقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »