مالي 2025: انتصارات عسكرية وتحديات سياسية
مكافحة الإرهاب والإصلاح الدستوري.. أبرز تطورات مالي 2025"

تشهد جمهورية مالي تحولات جذرية على الصعيدين الأمني والسياسي منذ بداية عام 2025، حيث تواصل القوات المسلحة المالية تصعيد عملياتها ضد الجماعات الإرهابية في شمال البلاد، بينما تشهد الساحة السياسية تغيرات دستورية كبيرة. هذا التقرير يستعرض أبرز التطورات في مالي خلال النصف الأول من عام 2025، مع التركيز على الإنجازات العسكرية، التحديات الأمنية، والتحولات السياسية الداخلية.
وعلي جانب العمليات العسكرية حققت القوات المسلحة المالية سلسلة من النجاحات الكبيرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل (داعش)، حيث تمكنت من تحييد أو أسر العديد من القيادات البارزة في التنظيم:
ففي يناير 2025: ألقت القوات المالية القبض على محمد ولد إركحيل الملقب بـ”أبو رقية” في قطاع أماساراكاد بمنطقة جاو وكان هذا القائد مطلوبًا لدوره في جرائم ضد المدنيين وهجمات إرهابية، بما في ذلك مجازر ميناكا عام 2022
وفي يونيو 2025: في منطقة جاو، تم القبض على أبراهام بوبكر الملقب بـ”أوبل”، زعيم جماعة العمل الإرهابي التابعة لداعش في المنطقة الحدودية الاستراتيجية مع النيجر وبوركينا فاسو، وأسفرت العملية عن اعتقال عشرة من عناصره أيضًا، كما تم القضاء على أبو الدحداح هذا القائد الإرهابي المتخصص في العبوات الناسفة بالقرب من ميناكا، وكان متورطًا في مجازر بحق المدنيين وهجمات عبر الحدود في النيجر .
وفي 21 يوليو 2025: أعلن الجيش المالي تصفية سليمان آغ باكاوا الملقب بـ”الجندي”، أحد أبرز قادة داعش في منطقة ميناكا، المسؤول عن عمليات اختطاف واغتيالات وهجمات ضد المدنيين والعسكريين.
بالإضافة إلى العمليات المستهدفة ضد القيادات، نفذ الجيش المالي سلسلة من العمليات الواسعة النطاق: ففي الفترة من 15 إلى 19 يوليو 2025، قام الجيش المالي بالتنسيق مع قوات تحالف دول الساحل بسلسلة ضربات جوية أسفرت عن تحييد أكثر من 70 إرهابيًا، وتم تدمير قواعد لوجستية وتدريبية للإرهابيين في مناطق ميناكا وسيغو وتمبكتو كما اعتراض شحنات أسلحة كبيرة مخصصة لجماعات إرهابية، بما في ذلك معدات تحمل شعار “جبهة تحرير أزواد”.
و يواجه الجيش المالي تحديات جسيمة في أعقاب انسحاب مجموعة “فاجنر” شبه العسكرية الروسية في يونيو 2025، حيث تم استبدالها بـ”الفيلق الأفريقي” التابع لوزارة الدفاع الروسية، ويشير الخبراء إلى أن هذا التحول قد يكون له تداعيات خطيرة على مستقبل النظام الحاكم في مالي، خاصة مع تزايد التهديدات الأمنية .
تتجه الجماعات الإرهابية نحو مزيد من التنسيق والعمل المشترك، حيث تحاول “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (التابعة لتنظيم القاعدة) التحالف مع “جبهة تحرير أزواد” للإطاحة بالحكم العسكري في مالي، كما تتهم السلطات المالية جهات خارجية بدعم هذه الجماعات، حيث تم اعتراض معدات عسكرية يشتبه في أنها قادمة من دول آسيوية.
رغم النجاحات العسكرية، تواصل الجماعات الإرهابية تنفيذ هجمات دموية، مثل الهجوم الذي أسفر عن مقتل 40 جنديًا ماليًا في 5 يونيو 2025 ، كما تشهد مناطق الشمال اضطرابات مستمرة تهدد استقرار البلاد.
في تطور سياسي بارز، أقرت السلطات الانتقالية في مالي يوم 3 يوليو 2025 مشروع قانون جديد يسمح للرئيس أسيمي جويتا بالترشح لعدد غير محدود من الولايات الرئاسية . وينص القانون الجديد على فترة رئاسية مدتها 5 سنوات قابلة للتجديد دون حد أقصى .
وبررت الحكومة هذه الخطوة بالحاجة إلى “استمرارية القيادة” لمواجهة التحديات الأمنية والتنموية، مشيرة إلى أن تمديد الولاية يعد أداة سياسية لضمان الاستقرار . إلا أن القرار أثار نقاشًا سياسيًا واسعًا حول مستقبل الانتقال الديمقراطي في البلاد، حيث أعربت الأوساط الحقوقية والمعارضة عن مخاوفها من تأثر المبدأ الديمقراطي للتداول السلمي للسلطة .
و تشهد مالي توترًا في علاقاتها مع الجوار الإقليمي، خاصة بعد انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) في يناير 2025 إلى جانب بوركينا فاسو والنيجر ، وقد طالب تكتل إيكواس هذه الدول بالعودة إلى الحكم المدني إثر الانقلابات العسكرية التي شهدتها .
لكن خلال الفترة الماضية سعت مالي إلى تعويض انسحاب القوات الأجنبية (خاصة الفرنسية) عبر عقد شراكات عسكرية جديدة: وحصلت مالي على دعم عسكري روسي يشمل طائرات ومروحيات ومعدات ثقيلة، كما حصلت على طائرات مسيرة من نوع “بيرقدار” التركية، وحل الفيلق الأفريقي محل مجموعة فاجنر في مهام الدعم العسكري .
ومؤخرًا أعلنت مالي عن وصول تعزيزات عسكرية كبيرة في مارس 2025 شملت أنواعًا متطورة من العتاد العسكري . كما أعلن الرئيس جويتا عن خطط لإنشاء مصنع محلي لإنتاج الأسلحة والذخائر ، وتخطط مالي مع جارتيها بوركينا فاسو والنيجر لإنشاء قوة عسكرية مشتركة تضم 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب .
وفيما يتعلق بالمشهد الاقتصادي
يواجه الاقتصاد المالي ضغوطًا كبيرة بسبب: النفقات العسكرية المرتفعة في حربها ضد الإرهاب، كما تشهد عزلة إقليمية بعد انسحابها من إيكواس، مما أدى إلى انخفاض المساعدات الدولية بسبب انتقادات الانتقال الديمقراطي.
وأمام هذا الوضع تحاول مالي تعويض هذه التحديات عبر: تعزيز الصناعة العسكرية المحلية، وتنويع الشركاء الاقتصاديين والعسكريين، وتعزيز التعاون مع دول صديقة مثل روسيا وتركيا.
رغم النجاحات العسكرية الأخيرة، تواجه مالي مستقبلاً غامضًا يتميز بعدة تحديات: استمرار التهديد الإرهابي فبرغم الضربات الموجعة لقيادات داعش، لا تزال الجماعات المسلحة تشكل تهديدًا كبيرًا، خاصة مع تحالفاتها الجديدة.
فبينما تظهر القوات المسلحة المالية تصميماً واضحاً في حربها ضد الإرهاب، تبقى التحديات السياسية والاقتصادية كبيرة، مما يستدعي حلولاً شاملة تتجاوز الحلول الأمنية وحدها. وتظل عيون المراقبين الدولية معلقة على كيفية تطور الأوضاع في هذه الدولة الإفريقية الاستراتيجية خلال الفترة المقبلة.