أخبار عاجلةاخبار افريقياالقرن الافريقى

دراسة حديثة: سد إثيوبيا معركة جيوسياسية للسيطرة على نهر النيل

في دراسة حديثة أعدتها “الأفارقة” وهي شركة محدودة مسجّلة في العاصمة النيجيرية أبوجا للقيام بالأعمال الاستشارية ونشر الكتب والدراسات وتنظيم التدريبات في المجالات العلمية والأكاديمية والإدارية, قالت إن نهر النيل، وهو أطول نهر في العالم، يتمتع بأهمية تاريخية ومزايا اجتماعية ومنافع اقتصادية لا مثيل لها، وتوفرها لأكثر من 300 مليون نسمة يسكنون المنطقة ويعتمدون على مياهه في أنشطتهم الاقتصادية واحتياجاتهم الإنسانية الأساسية. ويغطي النهر أكثر من 10% من مساحة الأراضي اليابسة في أفريقيا، حيث يشمل جريانه أراضي إثيوبيا، والسودان، وجنوب السودان، ومصر (وهي إحدى أقدم الحضارات في العالم)، ورواندا، وتنـزانيا، وأوغندا، وبوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإريتريا، وكينيا. وفي العصر الهولوسيني، خلفت التحولات المناخية المفاجئة، والتأثيرات البشرية، التي تشمل تغير استخدام الأراضي على مدى آلاف السنين الماضية، وبناء السدود الضخمة على مدى القرن الماضي تقريبًا، آثارا كبيرة على مستجمعات المياه على هيدرولوجيا نهر النيل وميزانيته الرسوبية.

وأوضحت الدراسة أن هناك مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات تحافظ على العلاقات بين دول حوض النيل العشر، وهي التي تم التوقيع عليها خلال القرن العشرين (في أعوام 1902 و1929 و1959)، ومعروفة باسم اتفاقيات نهر النيل. وتنص هذه الاتفاقيات على أن دول المنبع (وخاصة كينيا وتنزانيا وأوغندا وإثيوبيا) ملزمة باحترام حقوق دول المصب (وخاصة مصر والسودان) فيما يتعلق بمياه النيل، وعلى أنه يُحظر على دول المنبع بناء السدود أو إطلاق مشاريع إنشائية على النهر دون موافقة دول المصب، وخاصة دولة مصر، التي تمكّنت بفضل هذه المعاهدات من الحفاظ على حصتها من مياه النيل على مدى القرن الماضي، ومن تحقيق خططها التنموية والزراعية – وخاصة بعد بناء السد العالي في أسوان في أوائل الستينيات -، بل منحت الاتفاقيات دولتي مصر والسودان أيضًا حق النقض (الفيتو) على أي خطط أو مشاريع إنشائية قد تؤثر على حصتهما من المياه.

وقالت الدراسة إنه على مر السنين، أبرمت الدول المعنية اتفاقيات ومعاهدات للسيطرة على النزاعات، وإدراكًا منها لأهمية منع النزاعات المتعلقة بالمياه، طُلب من الدول التعاون في جهودها الرامية إلى العمل معًا لحل النزاعات القائمة والمحتملة على موارد المياه، سواء بين الدول أو بين مستخدميها من القطاعات المتنافسة.

وأوضحت أن حوض نهر النيل يُمثل مثالًا واقعيًا على بعض تحديات تطوير إدارة شاملة للمياه العابرة للحدود، حيث تعرقل الاحتياجات المتنافسة لمستخدمي المنبع والمصب، والمعاهدات الاستعمارية دون التوصل إلى اتفاقية على مستوى الحوض تُنظّم نهر النيل. وبالتالي، يتناول هذا المقال أزمة مياه حوض نهر النيل، المتعلقة بالجوانب الهيدروسياسية والاجتماعية والاقتصادية، والنزاعات على المياه، وحقوق المياه، وإدارة المياه، والجفاف والندرة، والأمن المائي، والتنمية المستدامة، والتحديات والمعوقات، والتعاون مقابل المواجهة، والآفاق المستقبلية لمياه النيل.

على سبيل المثال، في دولة إثيوبيا، اكتمل بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) بالكامل، ومن المقرر افتتاحه رسميًا في سبتمبر 2025. ومنذ بدء توليد الطاقة في عام 2022، سيوفر السد أكثر من 6000 ميغاواط، ما سيضاعف بالضبط قدرة إثيوبيا الحالية على إنتاج الكهرباء، ويمكّنها من أن تصبح مصدرة للطاقة. لذلك، ترى إثيوبيا أن سد النهضة ضروري للتنمية الاقتصادية، وتقليل الفقر، وتأكيد حضور إقليمي جديد قائم على الطاقة. غير أنه أدى أمر هذا السد إلى نشوب توترات كبيرة بين إثيوبيا، (المنبع) والسودان (الذي أعاد تنظيم نفسه بانحيازه إلى إثيوبيا)، ومصر (المصب) التي تتعرض إمداداتها من المياه العذبة لتهديد متزايد مع وجود مشروع سد النهضة.

صراع مياه النيل: صراع السيطرة والتعاون

يمتد حوض نهر النيل على خط عرض 35 درجة (من 4 درجات جنوبًا إلى 31 درجة شمالًا)، محتضنًا تنوعًا كبيرًا من المناخات، وأنظمة الأنهار، والمناطق الأحيائية، والتضاريس، بما في ذلك هضبة البحيرات الاستوائية في منابع النيل الأبيض، والمرتفعات البركانية شبه القاحلة في إثيوبيا، والصحراء الكبرى، ومجمع الدلتا الشاسع في شرق البحر الأبيض المتوسط. والنيل هو أيضًا أطول نهر غريب في العالم، حيث يتدفق لمسافة تقارب 2700 كيلومتر دون أي مدخلات روافد دائمة كبيرة. ويبدأ النيل الصحراوي الحقيقي في الخرطوم (′37 °15 شمالًا ′33 °32 شرقًا) في سهل الجزيرة حيث يلتقي النيلان الأزرق والأبيض. هذان النظامان، بالإضافة إلى نهر عطبرة في الشمال، هما نهران كبيران في حد ذاتهما، ويتمتعان بمناظر طبيعية نهرية مميزة وأنظمة تدفق مميزة. ويبلغ إجمالي مساحة مستجمعات مياه النيل حوالي 3.3 مليون كيلومتر مربع، وحوالي ثلث هذه المساحة، هو النيل الصحراوي للسودان ومصر.

لطالما عارضت مصر بناء خطة إثيوبيا لبناء لسد بسبب مخاوف من أنه قد يستنزف المشروع حصتها من مياه نهر النيل. وأشارت مصر إلى السد، المعروف باسم سد النهضة الإثيوبي الكبير، على أنه تهديد وجودي لأن أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم العربي تعتمد بشكل شبه كامل على النيل لتوفير المياه للزراعة ولأكثر من 100 مليون نسمة. ولكن المفاوضات بين إثيوبيا ومصر على مر السنين لم تؤد إلى اتفاق بشأن سد النهضة، الذي بلغت تكلفته 4 بليون دولار، والذي بدأت إثيوبيا بنائه عام 2011، ولا تزال هناك تساؤلات حول كمية المياه التي ستطلقها إثيوبيا باتجاه مجرى النهر في حالة حدوث جفاف.

وكانت التوترات بشأن السد شديدة لدرجة أن بعض المراقبين خشعوا من احتمال اندلاع حرب بين البلدين بسببه. ورغم أن التاريخ يذكرنا بحروب عديدة بين مصر وإثيوبيا في القرون الماضية (سواء كانت “باردة” أو “تقليدية”)، إلا أن العديد من الإثيوبيين يشعرون بأن دعم المجتمع الدولي يقف إلى جانب مصر بالكامل دون مراعاة كبيرة لإثيوبيا اليوم. ونتيجة لذلك، يعتقد الإثيوبيون، الذين لا يصل إلى 65% منهم شبكة الكهرباء، أن آمالهم في الحصول على الكهرباء تُتجاهل، مع أن الكهرباء من تطوير الطاقة الكهرومائية المرتبطة بسد النهضة. ومع ذلك، يعتقد الإثيوبيون أنهم ليسوا وحدهم المستفيدين من السد، إذ أن الطاقة الكهرومائية التي سيتم توليدها يمكن أن تكون ذات قيمة لجميع دول منطقة حوض النيل.

وأوضحت الدراسة أن مصر قد سبق لها أن لجأت إلى مجلس الأمن الدولي في 29 يونيو 2020 لتحذير المجتمع الدولي من هذا الخطر الوشيك. وفي عام 2024، اتفق رؤساء مصر وإريتريا والصومال على تعزيز التعاون مع الجيش الصومالي لمواجهة “الإرهاب” وحماية حدوده البرية والبحرية، وفقًا لبيان مشترك، مما زاد من عزلة إثيوبيا في المنطقة. وستُقلق هذه الاتفاقية الأمنية التي وقعتها الدول الثلاث دولة إثيوبيا، التي تنشر آلاف الجنود في الصومال المجاورة لمحاربة المتمردين المرتبطين بتنظيم القاعدة، لكنها على خلاف مع مقديشو بشأن خططها لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية. وفي عام 2024، وقّعت إثيوبيا ما عُرف بمذكرة تفاهم مع جمهورية أرض الصومال المُعلنة من جانب واحد لاستخدام أحد موانئها. في حين وصف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد سابقًا الوصول إلى البحر بأنه قضية وجودية لبلاده.

وقد حظيت إثيوبيا بدعم دبلوماسي من دول المنبع مثل أوغندا، وهي موطن شراكة إقليمية ضمت عشر دول وقعت في العام الماضي اتفاقية بشأن الاستخدام العادل لموارد المياه من حوض نهر النيل. ودخلت اتفاقية الشراكة، المعروفة باسم مبادرة حوض النيل، حيز التنفيذ في أكتوبر دون تصديق مصر أو السودان عليها. وقد منحت الاتفاقية بين مصر والمملكة المتحدة دولتي مصر والسودان –وهما من دول المصب- حقوقًا في مياه النيل، مع حصول مصر على الأغلبية.

 

لم تأخذ هذه الاتفاقيةَ -الموقعة لأول مرة عام 1929- في الاعتبار الدولُ الأخرى الواقعة على طول حوض النهر والتي طالبت باتفاقية أكثر إنصافًا. لكن في عام 2013، صادق البرلمان الإثيوبي بالإجماع على اتفاقية جديدة حلت محل الاتفاقيات السابقة، والتي منحت مصر حق النقض (الفيتو) على مشاريع النيل. وقالوا آنذاك أن العمل على السد، الذي يبعد حوالي 20 كيلومترًا (12 ميلًا) عن الحدود الشرقية للسودان، سيستمر خلال المشاورات مع القاهرة، وأن الخبراء قد اتفقوا بالفعل على أن السد لن يؤثر بشكل كبير على تدفق المياه إلى كل من مصر والسودان. في غضون ذلك، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، التي نسقت المفاوضات بين الأطراف الثلاثة، بيانًا في 28 فبراير 2020، أشارت فيه إلى أن “الولايات المتحدة تعتقد أن العمل المُنجز خلال الأشهر الأربعة الماضية قد أسفر عن اتفاق يتناول جميع القضايا بطريقة متوازنة وعادلة، مع مراعاة مصالح الدول الثلاث”. لكنّ وزير الخارجية الإثيوبي، جيدو أندارغاشو، نقد هذا البيان، ووصفه بأنه “متحيز للغاية”. ويعتقد المحللون الإثيوبيون أن واشنطن تنحاز دائمًا إلى مصر، وأن أي اتفاق بشأن سد النهضة سيُقيّد إثيوبيا. فمن الواضح إذن أن واشنطن، على الأقل من جانب طرف واحد، هي الوسيط الأقل ملاءمة وفعالية لحل نزاع سد النهضة.

ما الخطوة التالية؟

مع انتقال سد النهضة الإثيوبي الكبير من مرحلة البناء إلى مرحلة التشغيل، فلا تتحدد قيمته بمدى توليد الكيلوواط من الكهرباء فحسب، بل بمدى فاعليته في تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية الوطنية والدبلوماسية المائية الإقليمية والمسؤوليات البيئية العالمية. فالمشروع يُجسّد التقاطع المُعقّد بين الاعتبارات التقنية والسياسية والبيئية التي تُميّز تطوير البنية التحتية المعاصرة في أفريقيا.

أشار أحمد سليمان، الباحث البارز في مركز تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث، إلى أنه “مع تغيّر المناخ الذي يُؤدي إلى تدفقات مائية أكثر تقلبًا، قد يؤثر ذلك على التوترات السياسية المستقبلية، خاصةً إذا قامت إثيوبيا بتحويل أو تقييد تدفق المياه باتجاه مجرى النهر خلال فترات الجفاف”. ومع ذلك، أضاف أنه “بعد 15 عامًا من تعثر المحادثات، لا توجد رغبة أو زخم يُذكران للتوصل إلى اتفاق ناجح”.

وهكذا، تُعتبر مصر وإثيوبيا بلا شك من أهم دول شرق أفريقيا، وكان تعاونهما ضروريا لسلامة المنطقة واستقرارها. فحاجة كل منهاما لمياه النيل متبادلة وملحة. لكن تلبية الموقف المتشدد لكل طرف يكاد يكون مستحيلاً بالنظر إلى ظروف المنطقة وعجزهما عن تحمل صراع طويل الأمد وغير ضروري. فالتوصل إلى حل وسط يتجنب التشدد المخيف الذي سيؤدي بلا شك إلى نتائج غير مبرر، من مصلحتهما المشتركة، ومصلحة أصدقائهما وحلفائهما، وخاصة الولايات المتحدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »