السياحة الرياضية في أفريقيا تتحول لقطاع اقتصادي يحقق عوائد بمليارات الدولارات
مصر والمغرب وجنوب أفريقيا تقف على أعتاب تحول جذري

تشهد السياحة الرياضية في العقدين الأخيرين تحولاً جذرياً من نشاط ترفيهي ثانوي إلى قطاع اقتصادي رئيسي يحقق عوائد بمليارات الدولارات. يعرف الخبراء السياحة الرياضية بأنها ذلك النوع من السفر الذي يخرج الأفراد مؤقتاً من بيئاتهم المعتادة بهدف المشاركة في الأنشطة الرياضية أو مشاهدتها أو زيارة معالمها التاريخية.
وقد تطور هذا القطاع ليشمل ثلاثة أنواع رئيسية: السياحة الرياضية النشطة، حيث يسافر الأفراد لممارسة أنشطة مثل الجولف، التنس، الرياضات المائية، أو رياضات المغامرات.
وكذلك سياحة الأحداث الرياضية، وتشمل السفر لمشاهدة البطولات والمباريات الكبرى مثل كأس العالم أو الأولمبياد، بالإضافة إلى سياحة الحنين الرياضي، وتتمثل في زيارة المتاحف والمعالم الرياضية الشهيرة مثل ملاعب كرة القدم الشهيرة أو قاعات المشاهير الرياضية.
الحجم الاقتصادي للسياحة الرياضية عالمياً
شهد القطاع نمواً متسارعاً في السنوات الأخيرة، حيث قُدرت قيمته بأكثر من 458 مليار دولار في 2019، ثم انخفضت إلى 323 مليار دولار في 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، لتعاود الارتفاع بقوة إلى 544 مليار دولار بحلول 2024، وتشير التوقعات إلى وصول القطاع إلى قيمته لتريليوني دولار بحلول 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يتجاوز 16% .
ما يميز السياح الرياضيين هو قدرتهم الإنفاقية العالية مقارنة بالسياح العاديين، ففي المملكة المتحدة على سبيل المثال، أنفق السياح الرياضيون ما متوسطه 1272 دولاراً لكل زيارة في 2019، مقارنة بمتوسط إنفاق السياح العاديين البالغ 974 دولاراً فقط.
النموذج الأفريقي: من جنوب أفريقيا إلى المغرب ومصر
أثبتت التجربة الأفريقية أن الاستثمار الاستراتيجي في السياحة الرياضية يمكن أن يحقق تحولاً اقتصادياً جذرياً، ونستعرض بعض النماذج الناجحة: جنوب أفريقيا ونموذج كأس العالم 2010
عندما استضافت جنوب أفريقيا كأس العالم 2010، أنفقت 3.12 مليار دولار، لكن العوائد كانت مذهلة: مساهمة مباشرة في الناتج المحلي الإجمالي بلغت 509 مليون دولار في سنة الحدث فقط، وأيضًا تحقيق إيرادات سياحية بلغت 514 مليون دولار، وتم توليد أكثر من 130 ألف فرصة عمل في قطاعات البناء والضيافة، كل ما سبق ساهم في تحسن صورة البلاد كوجهة سياحية بنسبة 9%، وزيادة نية الزيارة بنسبة 35%
الكاميرون وكأس الأمم الأفريقية 2022
استثمرت الكاميرون 885 مليون دولار لاستضافة البطولة، رغم تحديات الجائحة، حيث شملت الاستثمارات: تطوير البنية التحتية الرياضية، وكذلك تحسين شبكات النقل، وتطوير قطاع الضيافة
ساحل العاج وكأس الأمم الأفريقية 2024
ضخت ساحل العاج مليار دولار في الاستعدادات للبطولة، مما أسفر عن: توفير أكثر من 50 ألف فرصة عمل وانتعاش قطاعات الملابس والنسيج، ونمو ملحوظ في قطاع الضيافة.
كينيا ونجاح رياضات المغامرات
أثبتت كينيا أن الرياضات المتخصصة يمكن أن تكون مصدراً للثروة، حيث حققت بطولة العالم للراليات عام 2021: إنفاقاً سياحياً تجاوز 80 مليون دولار، ودعم 25 ألف وظيفة، وأضاف دخل للعمالة بلغ 36 مليون دولار، وتحقق إجمالي ناتج اقتصادي قدره 158 مليون دولار
مصر والمغرب: قاطرات السياحة الرياضية العربية
مصر: استراتيجية طموحة للسياحة الرياضية
تتبنى مصر رؤية طموحة لتعزيز مكانتها كوجهة سياحية رياضية رائدة، حيث: تستضيف العديد من البطولات القارية والإقليمية المختلفة نتيجة لوجود بنية تحتية متطورة وجاهزة لأي حدث رياضي وفي أي وقت، كما تخطط لزيادة عدد السياح إلى أكثر من 30 مليون سنوياً بحلول 2030، وزيادة الإيرادات السياحية إلى أكثر من 30 مليار دولار ، ومن إجل ما سبق تستثمر في مشاريع سياحية عملاقة مثل مشروع رأس الحكمة وتطوير الساحل الشمالي والبحر الأحمر ، وتعمل على تطوير السياحة الثقافية والأثرية عبر مشاريع مثل المتحف الكبير وتطوير مناطق الأهرامات والأقصر
المغرب: نموذج للنجاح في الجمع بين الرياضة والسياحة
يشهد المغرب طفرة غير مسبوقة في السياحة الرياضية، حيث: ارتفعت عائدات السياحة بنسبة 9.6% في النصف الأول من 2025 لتصل إلى 5.4 مليار دولار ، واستقبلت البلاد 8.9 مليون سائح في الأشهر الستة الأولى من 2025، بنمو 19% مقارنة بالعام السابق .
كما تستعد لاستضافة كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 باستثمارات تبلغ حوالي 150 مليار درهم (15 مليار دولار) وقد حققت في 2024 إيرادات سياحية تجاوزت 11 مليار دولار بزيادة 20% عن 2023 ، وتركز على تطوير السياحة الفاخرة والترفيهية لزيادة قيمة الإنفاق السياحي ومدة الإقامة
تحليل الأثر الاقتصادي للسياحة الرياضية
تشير الدراسات إلى أن للسياحة الرياضية آثاراً اقتصادية متعددة المستويات: الأثر المباشر يتمثل في زيادة الإيرادات من بيع التذاكر والإعلانات والرعاية، ونمو قطاعات الفنادق والمطاعم والنقل، وزيادة الطلب على الخدمات المرتبطة بالحدث
الأثر غير المباشر للسياحة الرياضية:
يتمثل في تحفيز سلاسل التوريد المحلية، وتطوير البنية التحتية من طرق ومواصلات واتصالات، وتحسين المرافق العامة والخدمات
السياحة الرياضية والأثر المستدام
يتمثل في تعزيز صورة الدولة كوجهة سياحية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتنمية المواهب الرياضية المحلية
وتحفيز ريادة الأعمال في القطاعات المرتبطة
التحديات والفرص المستقبلية للسياحة الرياضية
رغم النجاحات الكبيرة، تواجه السياحة الرياضية في أفريقيا عدة تحديات:
التحديات: الحاجة لاستثمارات ضخمة في البنية التحتية، وكذلك ضعف أنظمة النقل والمواصلات في بعض الدول
مع وجود نقص الخبرات المحلية في إدارة الأحداث الكبرى، إضافة إلى ما سبق المنافسة الشرسة من الوجهات العالمية الراسخة
الفرص: الطبيعة المتنوعة التي تسمح بتنوع الرياضات (الصحراوية، الشاطئية، الجبلية) التراث الثقافي الغني الذي يمكن دمجه مع التجارب الرياضية، وأيضًا التوجه العالمي نحو رياضات المغامرات والاستكشاف، والنمو السكاني الشبابي الذي يمثل قاعدة جماهيرية وسوقاً استهلاكية كبيرة
نحو رؤية مستقبلية للسياحة الرياضية الأفريقية
تشير المؤشرات إلى أن السياحة الرياضية في أفريقيا، خاصة في دول مثل مصر والمغرب وجنوب أفريقيا، تقف على أعتاب تحول جذري، فبينما بلغت إيرادات السياحة في الدول العربية حوالي 350 مليار دولار في 2024 ، فإن حصة السياحة الرياضية منها لا تزال أقل من إمكاناتها الحقيقية.
لكن مع الاستثمارات الضخمة الجارية في مصر والمغرب، والتوجه نحو تنظيم المزيد من الأحداث الكبرى، والتطور الملحوظ في البنية التحتية، فإن العقد القادم قد يشهد قفزة نوعية في هذا القطاع، يتطلب تحقيق ذلك: تعزيز التعاون الإقليمي بين الدول الأفريقية
وتطوير استراتيجيات متكاملة للترويج السياحي الرياضي، والاستثمار في رأس المال البشري وتأهيل الكوادر المحلية
وكذلك تبني معايير الجودة العالمية في الخدمات والمرافق، والعمل علي دمج التجارب الثقافية والترفيهية مع الأنشطة الرياضية، بذلك يمكن للسياحة الرياضية أن تصبح أحد أهم محركات النمو الاقتصادي في أفريقيا، وتسهم في تنويع مصادر الدخل، وخلق فرص العمل، وتعزيز الصورة الذهنية للقارة كوجهة عالمية للرياضة والسياحة.