أخبار عاجلةالرأي

عمّــار العركــي يكتب : القرن الإفريقي على صفيح ساخن 

إشارات متزايدة على احتدام التنافس الإقليمي... ترتيبات إثيوبية لمرحلة جديدة والسودان في موقع المراقب

في ظل تزايد الضغوط والتحديات في منطقة القرن الإفريقي، تتصاعد مؤشرات دخول الإقليم في مرحلة جديدة من إعادة تشكيل موازين القوى، لا تقتصر على ملف سد النهضة، بل تمتد إلى سواحل البحر الأحمر، من خلال تحركات أمنية ودبلوماسية نشطة تشمل دول الجوار كافة، وفي مقدمتها جيبوتي وإريتريا، إلى جانب المناطق العفرية ذات الأهمية الاستراتيجية.

(1) من ملف المياه إلى سواحل البحر الأحمر

بات واضحًا أن التحركات الإقليمية في القرن الإفريقي تجاوزت ملفات الخلاف التقليدية، واتجهت نحو تعزيز مواقف استراتيجية متعلقة بالمنفذ البحري، وهو ما يظهر في الزيارات المتبادلة بين القيادات الأمنية والسياسية في المنطقة، وتنامي الخطاب السياسي حول إعادة النظر في ترتيبات البحر الأحمر، خاصة من الجانب الإثيوبي الذي يطرح رؤية تاريخية واستراتيجية بهذا الصدد.

زيارة مستشار الأمن القومي الإثيوبي إلى جيبوتي مؤخرًا، وما أعقبها من لقاءات عسكرية رفيعة، تكشف عن إدراك إثيوبي متزايد لأهمية ترسيخ موقع متقدم في معادلة البحر الأحمر، بالتوازي مع تكرار الحديث الرسمي عن ضرورة الوصول إلى منفذ بحري مستقر، يخدم النمو الاقتصادي والأمن القومي.

(2) خطاب مصري متشدد: قراءة في التوقيت والدلالة

في مقابل ذلك، سجلت القاهرة مواقف لافتة، كان أبرزها تحذير وزير الخارجية المصري مما وصفه بـ”محاولات لإعادة تشكيل الواقع الجيوسياسي في القرن الإفريقي بالقوة”، مشيرًا بشكل غير مباشر إلى تحركات مرتبطة بمنطقة العفر الساحلية.

هذا التصريح المصري، الذي يتجاوز ملف السد، يعكس تحسّسًا من أي تغييرات محتملة قد تمسّ النفوذ المصري أو تعيد توزيع الأدوار في البحر الأحمر.. كما يشير إلى إمكانية أن تأخذ التحركات الإقليمية منحى أكثر تعقيدًا في حال غابت ترتيبات إقليمية جامعة أو ضمانات دولية توازن بين المصالح المتداخلة.

(3) معادلة إريتريا-العفر: ساحة خلاف مفتوحة؟

تُعد منطقة العفر الساحلية من أكثر المناطق حساسية في هذه المرحلة، إذ تقع ضمن مجال حيوي لإريتريا، وفي الوقت ذاته تُطرح في الخطاب الإثيوبي باعتبارها متصلة بالهوية العفرية المشتركة العابرة للحدود.

ويبدو أن الاتهامات المتبادلة بين الجانبين بشأن الأوضاع الإنسانية أو التغيرات الديموغرافية في المنطقة، قد تُستخدم كمدخل للضغط أو التفاوض، مما يفرض أهمية ضبط الخطاب ومنع انزلاق الخلافات إلى مواجهات مباشرة، خاصة في ظل غياب مظلة حوار إقليمي فاعلة.

(4) السودان: الحضور الصامت في معادلة البحر الأحمر

أشارت تقارير دولية إلى زيارة سرية قام بها رئيس جهاز المخابرات الإثيوبي إلى بورتسودان، التقى خلالها رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، حيث ناقش الطرفان – حسب المصادر – تطورات الأوضاع الإقليمية، وطلبت إثيوبيا ضمانات بعدم انخراط السودان في أي توترات محتملة قد تندلع في الجوار الشرقي.

اللافت أن هذه الزيارة حظيت بتغطية داخلية في إثيوبيا، باعتبارها جزءًا من تحرّك استباقي يحافظ على استقرار التوازنات الحدودية، بينما ظل الموقف السوداني غامضًا، ما يُثير تساؤلات حول موقع الخرطوم في معادلة الأمن الإقليمي، خاصة مع تنامي التهديدات في محيطه المباشر.

(5) ما بين الدبلوماسية والتصعيد… أي مسار مرجّح؟

أمام هذا المشهد، تبرز أربعة سيناريوهات محتملة:

١. استمرار التوتر عبر رسائل سياسية متبادلة، دون تحوّله إلى مواجهة مفتوحة.

٢. تحرك دولي (أممي أو إفريقي) نحو معالجة استباقية لأزمة محتملة، خصوصًا في منطقة العفر.

٣. ولادة تفاهمات إقليمية برعاية جهات فاعلة (مثل الإمارات أو الصين)، تُعيد ترتيب الملف البحري ضمن اتفاقات متعددة الأطراف.

٤. تصاعد التنافس الإقليمي حول النفوذ في البحر الأحمر، ما قد يقود إلى إعادة رسم خطوط السيطرة والتأثير.

خـلاصـة القول: نحو مقاربة جديدة للقرن الإفريقي

إن التحولات الجارية في منطقة العفر وسواحل البحر الأحمر لا تُقرأ في إطار محلي ضيق، بل تعكس صراعًا جيوسياسيًا أوسع حول الموانئ، والتجارة، والنفوذ الإقليمي. وفي خضم هذا التنافس، تبرز الحاجة إلى حلول عقلانية تحقّق التوازن بين مطالب السيادة الوطنية وضرورات التعاون الإقليمي.

فمن يملك مرافئ البحر الأحمر لا يتحكم فقط في التجارة، بل في مصير الاستقرار بالقرن الإفريقي كله.

 

اقرأ المزيد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »