اسيا العتروس تكتب : على وقع قمة شنغهاي .. بكين تستحضر الرواية الصينية والمقاومة ضد الفاشية من أجل عالم أقل ظلما

حدثان أساسيان تعيش على وقعهما الصين هذه الأيام .. أما الأول فيتعلق بإحياء الصين الذكرى الثمانين لانتصار المقاومة الشعبية الصينية على الاحتلال الياباني ، وأما الثاني يتعلق بقمة شنغهاي و بيان تيانتجين الذي دعا إلى نظام دولي بديل لريادة الغرب ويكون أقل ظلما و غطرسة و امتهانا وأكثر عدالة و انصافا للشعوب المستضعفة .
كثيرة هي الرسائل الموجهة من الصين إلى واشنطن بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أيام على لقاء القمة الذي جمعه بالرئيس ترامب في ألاسكا ، و بحضور رئيس الوزراء الهندي مودي الحليف الأساسي لواشنطن ، و لاحقا زيارة الزعيم الكوري الشمالي القادم إلى الصين لحضور فعاليات الاستعراض العسكري في ساحة” تيان إن” خلال الساعات القادمة. و لاشك أن في حرص الصين على حضور قادة روسيا و الهند و كوريا الشمالية و تركيا و إيران إلى جانب بقية الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون ما يعزز القناعة بتهاوي وانهيار الثقة في النظام الدولي الراهن الذي تتزعمه أمريكا و التحالف الغربي المعادي لهذا التكتل الاقتصادي والسياسي والعسكري المتنامي.
و هذه حقيقة لا يختلف بشأنها إثنان و لكن يبقى السؤال المطروح كيف و أين و متى يتحقق البديل المطلوب ؟ بعيدا عن لعبة المصالح و الهيمنة و سياسة المكيالين التي أنهكت الجميع و عززت الصراعات و الحروب الدموية .
الصين وهي تعيش على وقع احياء الذكرى الثمانين لانتصار المقاومة الشعبية الصينية على الاحتلال الياباني ودحر الفاشية خلال الحرب العالمية الثانية اختارت أن يكون احياء هذه الذكرى وقع خاص سياسيا و دبلوماسيا و إعلاميا بإعادة احياء الرواية الصينية و التأكيد على دور الصين و الاتحاد السوفياتي في تلك الحرب و تنشيط الذاكرة الصينية و الدولية بشأن الكثير من الحقائق المنسية حول صمود الشعب الصيني الذي قدم نحو 35 مليون ضحية، في الجبهة الشرقية، ساحة المعركة الرئيسية في الحرب العالمية ضد الفاشية.
و تؤكد البيانات الرسمية الينية على أن الجبهة الصينية قاومت لفترة طويلة القوة الرئيسية للعسكرية اليابانية، وأبادت أكثر من 1.5 مليون جندي ياباني، ما يمثل حوالي 70% من خسائر اليابان في الحرب العالمية الثانية، ولعبت دورًا حاسمًا في هزيمتها الكاملة.. وقد علق الرئيس الأمريكي آنذاك روزفلت قائلاً: “لو لم تكن هناك الصين، ولو هُزمت الصين، فكم عدد الفرق اليابانية التي يمكن إعادة نشرها للقتال في مكان آخر”.
و لم تخف الصين امتعاضها و استنكارها لتجاهل دور الصين مقابل تضخيم الدور الأمريكي في تلك الحرب المدمرة في المحيط الهادي و ما وصفته بالتقليل المتعمد لمساهمات الصين في الحرب العالمية ضد الفاشية لخدمة استراتيجيات جيوسياسية.
الموقف الصيني شدد على أن الرواية المتداولة لا تخفي حقائق مكتوبة بالدم أنه لا يمكن بالتالي بناء مستقبل مشرق إلا من خلال التمسك برؤية صحيحة لتاريخ الحرب العالمية الثانية واتخاذ إجراءات ملموسة للدفاع عن العدالة والحفاظ على السلام.
قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن نتائج عملية لقمة شنغهاي و لكن تبقى التساؤلات و الطموحات مشروعة بشأن حاجة العالم إلى نظام دولي أقل ظلما و أكثر عدلا و انصافا للشعوب المستضعفة و للقضايا المشروعة و المنتهكة في المنظمات الدولية و قوانينها العرجاء .
لقد تبنى قادة دول منظمة شنغهاي للتعاون في ختام أعمال قمتهم وفق “إعلان تيانجين” إلى الالتزام بمبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم استخدام القوة، باعتبارهما أساسا لبناء علاقات دولية مستقرة وتنمية مستدامة…
إعلان تيان تجين الذي جاء في الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، شدد على أن النصر تحقق بفضل وحدة جميع الدول المحبة للسلام, و من جانبه اقترح الرئيس الصيني شي جين بيغ في كلمته خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون بمشاركة قادة أكثر من 20 دولة و رؤساء منظمات دولية، مبادرة الحوكمة العالمية، داعيا الدول إلى العمل معا من أجل نظام حوكمة عالمية أكثر عدلا وإنصافا.
و سلط الرئيس الصيني الضوء على خمسة مبادئ لمبادرة الحوكمة العالمية، وهي الالتزام بالمساواة في السيادة، والامتثال لسيادة القانون الدولي، وممارسة التعددية، والدعوة إلى نهج يركز على الشعوب، والتركيز على اتخاذ إجراءات فعلية عبر إنشاء ثلاث منصات رئيسية للتعاون بين الصين والمنظمة في مجالات الطاقة، والصناعات الخضراء، والاقتصاد الرقمي، وتعتزم أيضا إنشاء ثلاثة مراكز رئيسية للتعاون في مجالات الابتكار العلمي والتكنولوجي، والتعليم العالي، والتعليم المهني والفني.
بدوره دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته، إلى احترام مبادئ الأمم المتحدة بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها لتبقى راسخة وصحيحة. ولفت إلى ان منظمة شنغهاي للتعاون تعزز بشكل مطرد مكانتها الدولية وتسهم في وضع أسس لنظام أمني جديد في أوراسيا..لا خلاف أن القمة سجلت تقارب و تناغم غير مسبوق بين بيكين و موسكو و كذلك نيودلهي و هذه لعواصم الثلاثة تمثل نحو نصف سكان الارض و هي مجتمعة تمثل قوة اقتصادية و عسكرية لا يستهان بها ..
معلوم أن شنغهاي للتعاون منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية أوراسية، تأسست عام 2001 في مدينة شنغهاي الصينية بمشاركة كل من الصين، وكازاخستان، وقرغيزيا، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان. وفي 2017، انضمت إلى عضويتها الهند وباكستان، كما حصلت إيران على عضوية كاملة في جويلية 2023، بينما تحظى دولتان بصفة مراقب و هما أفغانستان، ومنغوليا، وتضم المنظمة أيضا 14 دولة بصفة “شركاء حوار” و بينها تركيا وأذربيجان وأرمينيا والبحرين ومصر وكمبوديا وقطر والكويت والمالديف وميانمار ونيبال والإمارات والسعودية وسريلانكا.
لم تغب حرب الابادة في غزة عن القمة التي و إن كانت أدانت بوضوح تدهور الوضع الإنساني في غزة، ورفضها للعنف وطالبت القمة بإيقاف شامل ودائم لإطلاق النار في غزة فانها لم تذهب إلى حد ادانة الاحتلال صراحة و التلويح بفرض عقوبات على مجرم الحرب نتنياهو لايقاف الابادة .
نعم العالم يتغير و هناك تحولات و مؤشرات على ذلك فيما تدخل الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع على التوالي و تدخل منطقة الشرق الاوسط مرحلة جديدة من المخاطر و التحديات و الصراعات مع اقتراب حرب الابادة في غزة من عامه االثالث على التوالي .
لا خلاف أن قمة شنغهاي تاتي أيضا على وقع حرب الرسوم التجارية التي فرضها ترامب على الجميع دون استثناء و توجه الدول الغنية بقمة شنغهاي لبحث عن بدائل مستحدثة للحد من تداعيات قرارات ترامب و فتح افاق جديدة لهذا التحالف من أجل تغيير قواعد اللعبة و انقاذ مستقبل الشعوب من هيمنة القرر الواحد الذي ى يصب الا ف مصلحة واشنطن وقبلها تل ابيب .. قد تتضح الصورة أكثر عندما يبدأ الاستعراض العسكري الصيني و يظهر ولاول مرة و بعد ستة عقود زعيم كوري شمالي مع روسيا والصين، والتي تربطها علاقات تاريخية تعود إلى الحرب الباردة، في نفس المكان.
وربما يمهد حضور زعيم بيونغ يانغ العرض العسكري الطريق لعقد قمة ثلاثية مع الرئيس الصيني تشي والروسي بوتين كواجهة محتملة للتحالف الأمني المتنامي بين كوريا الجنوبية وأمريكا واليابان، يذكر أن اخر قمة واكب خلالها زعيم كوري شمالي استعراضاً عسكرياً صينياً كانت سنة 1959، عندما حضره جده ومؤسس كوريا الشمالية كيم إيل سونغ.
هناك نقطة لا يمكن تجاوزها في احياء الصين الذكرى الثمانين للانتصار الصيني في الحرب مع اليابان و الانتصار على الفاشية بعد الحرب العالمية الثانية و قد شددت الصين في أهمية احياء الرواية الصينية وأهمية روح المقاومة و نضال الشعوب ضد الاحتلال و نبذ الرواية المتداولة و تبخيس دور الجيش الشعبي الصيني و دور الاتحاد السوفياتي في تلك الحرب الكونية ، و أعدت الصين لذلك حملة دعائية و أشرطة تسجيلية تخلد النضال الصيني و تستعرض ما اقدمت عليه المقاومة الشعبية الصيني من بناء انفاق و مدن تحت الأرض لحماية مقاتليها و الاستعداد لمواجهة الخصم و في ذلك بالتأكيد ما يجب استحضاره فيما تستمر حرب الإبادة المسعورة التي يقودها جيش الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة و في كل شبر من فلسطين المحتلة .
* اسيا العتروس .. صحفية وكاتبة تونسية .
اقرأ المزيد
بمشاركة 44 دولة شقيقة وصديقة .. بدء فعاليات التدريب المصرى الأمريكى المشترك ” النجم الساطع – 2025″