الفيتو الأمريكي يُسقط مشروع قرار أممي لوقف إطلاق النار في غزة ويكشف عزلة واشنطن وتل أبيب

فشل جديد لمجلس الأمن بشأن غزة
فشل مجلس الأمن الدولي في اعتماد مشروع قرار يطالب بوقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، بعد أن استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) لإسقاط النص، في الوقت الذي أيده فيه 14 عضواً من أصل 15 عضواً في المجلس.
ووفقًا لما أوردته وكالة “أسوشيتد برس”، فقد ركز مشروع القرار على الدعوة إلى وقف شامل للقتال وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق، إضافة إلى الإفراج عن الرهائن المحتجزين. غير أن واشنطن رأت أن النص لا يعكس “الواقع الأمني” ولا يراعي ما وصفته بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، ما أدى إلى تعطيله.
تفاصيل مشروع القرار
المشروع الذي تقدمت به الدول العشر غير الدائمة العضوية في المجلس، نص على:
وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار تلتزم به جميع الأطراف.
الإفراج الفوري عن جميع الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس وفصائل أخرى، وبطريقة تحفظ كرامتهم الإنسانية.
رفع جميع القيود المفروضة من جانب إسرائيل على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وضمان توزيعها بشكل آمن ودون عوائق، خصوصًا من خلال الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الشريكة.
كما أشار النص إلى أن الوضع الإنساني في قطاع غزة “كارثي”، مع وجود 2.1 مليون فلسطيني بحاجة ماسة للمساعدات.
الصين: كم من الأرواح يجب أن تُزهق قبل وقف القتال؟
مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، فو تسونغ، أعرب عن خيبة أمل بلاده من نتيجة التصويت، متسائلًا: “كم من الأرواح البريئة يجب أن تُزهق قبل أن يتسنى تحقيق وقف إطلاق النار؟”.
وأضاف أن القوة لا يمكن أن تحقق السلام، والعنف لا يمكن أن يوفر الأمن، محذرًا من أن استمرار القتال لن يؤدي إلا إلى المزيد من الموت والكراهية. واتهم النهج الأمريكي بتقويض عمل مجلس الأمن، مؤكدًا أن الحماية الأمريكية لإسرائيل أضعفت قدرة المجلس على معالجة أزمة غزة.
روسيا: الفيتو الأمريكي شلّ المجلس
المندوب الروسي الدائم فاسيلي نيبينزيا أبدى استياءه من عرقلة الولايات المتحدة للقرار، مشيرًا إلى أن هذا هو الفيتو السابع الذي تستخدمه واشنطن بشأن غزة منذ بدء الحرب.
وأضاف أن التوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط لن يشهد أي تقدم ما دامت الولايات المتحدة تنظر إلى الأزمة من منظور منحاز لإسرائيل، معتبرًا أن مجلس الأمن “مصاب بالشلل بسبب غياب الإرادة من وفد واحد”، في إشارة إلى واشنطن.
بريطانيا: الحاجة لوقف إطلاق النار باتت ملحة
السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة باربرا وودورد أكدت أن بلادها صوتت لصالح القرار لمعالجة الوضع الإنساني المأساوي، لكنها شددت على أن “توسيع إسرائيل المتهور لعمليتها العسكرية يبعدنا أكثر عن صفقة تعيد الرهائن وتنهي المعاناة في غزة”.
وطالبت إسرائيل بإنهاء سفك الدماء، ورفع القيود عن دخول المساعدات، والسماح للوكالات الإنسانية بإنقاذ الأرواح، مؤكدة التزام بريطانيا بالعمل مع الشركاء الدوليين لتحقيق سلام عادل.
فرنسا: الهجوم الإسرائيلي فقد منطقه العسكري
المندوب الفرنسي غيروم بونافونت أوضح أن مشروع القرار ركز على القضايا الإنسانية، مكررًا ثلاثة مطالب أساسية: وقف إطلاق النار، إطلاق سراح الرهائن، وضمان وصول المساعدات.
وأدان بونافونت تمديد وتكثيف الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة، واصفًا إياه بأنه “لم يعد له أي منطق عسكري”. كما شدد على أن “تجويع المدنيين جريمة”، وأكد دعم فرنسا الكامل للمنظمات الإنسانية والأمم المتحدة. وأشار إلى أن باريس ستواصل جهودها بالتعاون مع السعودية من خلال مؤتمر تنفيذ حل الدولتين.
الصومال: فشل أخلاقي ذريع
المندوب الصومالي أبو بكر عثمان وصف الوضع في غزة بأنه طارئ ويتطلب تحركًا عاجلًا، مشيرًا إلى تفاقم المجاعة نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وقال: “العالم يتطلع إلى مجلس الأمن ليتخذ إجراء، لكننا اليوم فشلنا في اعتماد قرار يضمن الحقوق الأساسية لسكان غزة”، واعتبر ذلك “فشلًا أخلاقيًا ذريعًا”. كما تعهد بمواصلة العمل مع بقية الدول لتخفيف معاناة الفلسطينيين وتعزيز السلام العادل.
الجزائر: اعتذار مؤثر لشعب فلسطين
مندوب الجزائر السفير عمار بن جامع قدم اعتذارًا للشعب الفلسطيني قائلاً: “سامحونا لأن هذا المجلس لم يستطع إنقاذ أطفالكم ونسائكم وشيوخكم من القتل”.
وأشار إلى أن إسرائيل قتلت أكثر من 18 ألف طفل و12 ألف امرأة و4000 شيخ في غزة، مؤكدًا أن المجلس فشل مرتين من قبل في منع الإبادة الجماعية، وهو الآن على وشك الفشل للمرة الثالثة.
وشدد على أن هذا الفشل يمثل “ندبة في ضمير الإنسانية”، مؤكداً أن الجزائر والدول الداعمة لن تستسلم وستواصل النضال من أجل إنهاء الإبادة الجماعية.
عزلة أمريكية وإخفاق أممي
أظهر التصويت الأخير حجم العزلة الدولية التي تواجهها الولايات المتحدة وإسرائيل، إذ لم يعارض القرار سوى واشنطن، بينما وقفت جميع الدول الأعضاء الأخرى صفًا واحدًا مع المطالب الإنسانية.
ويرى مراقبون أن استمرار استخدام الولايات المتحدة للفيتو في قضايا غزة يقوض دور الأمم المتحدة، ويضعف ثقة المجتمع الدولي في آلياتها، ويؤكد أن الحل السياسي العادل سيبقى بعيد المنال ما لم تتغير المعادلات الراهنة.
مرة أخرى، أثبت مجلس الأمن الدولي عجزه أمام الفيتو الأمريكي، ليتواصل نزيف الدم في غزة وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة. ومع تصاعد الإدانات الدولية، يزداد الضغط على واشنطن وتل أبيب، لكن الأفق السياسي ما يزال مسدودًا بانتظار إرادة دولية حقيقية تضع حدًا للحرب وتفتح الطريق أمام سلام عادل ودائم.
اقرأ المزيد