السفيرة نميرة نجم : أفريقيا تواجه 23 نزاعًا بحريًا قائمًا

خبيرة القانون الدولي تكشف: 37% من الصيد غير المشروع في إفريقيا تديره أساطيل أوروبية وآسيوية
كشفت السفيرة الدكتورة نميرة نجم، خبيرة القانون الدولي والهجرة ومديرة المرصد الإفريقي للهجرة، عن أن قارة أفريقيا ما زالت تواجه 23 نزاعًا بحريًا قائمًا، إلى جانب التحديات المرتبطة بالموارد البحرية وخاصة الغاز الطبيعي في فلسطين المجاورة، مؤكدة أن هذه القضايا تعكس الحاجة الملحة إلى استخدام الأدوات الإقليمية مثل برنامج الاتحاد الإفريقي للحدود من أجل تسوية النزاعات بشكل سلمي.
جاءت تصريحات الخبيرة المصرية في القانون الدولي خلال الكلمة التي ألقتها في المحكمة الدولية لقانون البحار بمدينة هامبورج الألمانية، أمام المستشارين القانونيين لوزارات الخارجية الإفريقية، وذلك ضمن الورشة السنوية التي تنظمها المحكمة برعاية جمهورية كوريا، بهدف تعزيز قدرات القارة الإفريقية في فهم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وآليات تسوية النزاعات الدولية المرتبطة بها.
أهمية البحر في إفريقيا
أوضحت نجم أن إفريقيا ليست قارة بعيدة عن البحر كما يعتقد البعض، حيث تضم 38 دولة ساحلية، ويبلغ طول سواحلها نحو 26 ألف ميل بحري، إضافة إلى امتلاكها منطقة اقتصادية خالصة بمساحة 13 مليون كيلومتر مربع. وقالت: “إذا نظرنا إلى إفريقيا كجزيرة واحدة، سنجد أن البحر يمثل عنصرًا وجوديًا لها، فهو مصدر للثروة وسبل العيش والأمن الغذائي والتنوع البيولوجي”. وأكدت أن اهتمام الاتحاد الإفريقي ومنظمة الوحدة الإفريقية سابقًا بقانون البحار لم يكن لصياغة قواعد بديلة، بل لتبني اتفاقية قانون البحار كإطار شامل لإدارة المحيطات والبحار.
إفريقيا وصياغة اتفاقية قانون البحار
استعادت نجم مراحل المشاركة الإفريقية في صياغة الاتفاقية، موضحة أن الاستعمار كان عائقًا أمام حضور إفريقي مؤثر في المؤتمرين الأول والثاني، غير أن الوضع تغيّر مع الاستقلال وتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية. ففي مؤتمر قانون البحار الثالث عام 1974، قدمت المنظمة إعلانًا جمع الدول الإفريقية على موقف موحد حول القضايا الأساسية. وأشارت إلى أن أبرز إسهامات إفريقيا تمثلت في تطوير مفهوم المنطقة الاقتصادية الخالصة، الذي وفر حلاً وسطًا يوازن بين مصالح الدول الساحلية والحبيسة، إضافة إلى دعم مبدأ التراث المشترك للبشرية المتسق مع قيم الحرية والمساواة والتعاون بين الأمم.
إسهامات إفريقية في حماية البيئة البحرية
ولفتت نجم إلى أن إفريقيا واصلت دورها الفاعل في صياغة السياسات البحرية، بدءًا من اتفاقية الجزائر 1968 لحماية الطبيعة والموارد الطبيعية، التي كانت رائدة في تحريم التلوث البحري. وقد تم تحديثها في مابوتو 2003 لتشمل نصوصًا صريحة عن حماية البيئة البحرية والساحلية ومكافحة التلوث. وأشارت إلى تأسيس مؤتمر وزراء البيئة الأفارقة 1985 كمنصة لتنسيق السياسات البيئية، حيث لعب دورًا مهمًا في دعم المبادرات لمواجهة التلوث البحري مثل انسكابات النفط والتلوث البلاستيكي وتدمير الشعاب المرجانية.
كما استعرضت اتفاقية باماكو 1991، التي جاءت لسد فجوة خطيرة بحظر استيراد النفايات الخطرة إلى إفريقيا، وفرضت حظرًا شاملًا على التخلص منها في البحر، بما في ذلك الحرق في المحيط أو الدفن في قاع البحر.
الاستراتيجية البحرية الإفريقية المتكاملة 2050
توقفت نجم عند الاستراتيجية البحرية الإفريقية المتكاملة 2050 التي اعتمدها الاتحاد الإفريقي عام 2014، مؤكدة أنها وُضعت لمواجهة التهديدات مثل القرصنة قبالة الصومال، والاتجار غير المشروع بالموارد الطبيعية في خليج غينيا، والإرهاب في كابو ديلغادو، والصيد غير المشروع الذي يتسبب في خسائر بمليارات الدولارات سنويًا. وأضافت أن الاستراتيجية لا تقتصر على القضايا الأمنية، بل تعكس رؤية طويلة المدى للاقتصاد الأزرق الإفريقي، وتطرح مبادرات مثل المنطقة البحرية الحصرية المشتركة، وتعزز التعاون بين القوات البحرية وخفر السواحل.
ميثاق لومي والحوكمة البحرية
وصفت نجم ميثاق لومي 2016 بأنه وثيقة محورية تتناول مختلف جوانب الحوكمة البحرية، من الأمن والتنمية إلى مكافحة الجريمة والتلوث، مشيرة إلى أن ثمانية ملاحق إضافية يجري إعدادها لتفصيل قضايا مثل الموارد الطبيعية والمناخ والاقتصاد الأزرق والملاحة الساحلية. كما ذكرت ميثاق النقل البحري الإفريقي 1993 وتعديله عام 2010، الذي ساهم في إدماج المعايير الدولية وتعزيز البنية التحتية البحرية وربطها بالنقل البري.
أجندة 2063 والاقتصاد الأزرق
أوضحت السفيرة أن أجندة إفريقيا 2063 تضع الاقتصاد الأزرق في قلب التنمية، إلى جانب الاستراتيجية القارية للاقتصاد الأزرق 2019، التي تهدف إلى رفع مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي إلى 405 مليارات دولار بحلول 2030، وتوفير ما يقرب من مليوني وظيفة جديدة. وأكدت أن هذه الاستراتيجيات ليست مجرد وثائق نظرية، بل تُستخدم كأدوات عملية في المحافل الدولية، إذ يتم الاستناد إليها أمام المحاكم الدولية لتعزيز الموقف الإفريقي.
التحديات والنزاعات البحرية
تحدثت نجم عن أبرز التحديات التي تواجه القارة، ومن بينها ضعف الإرادة السياسية في بعض الدول، ونقص الوعي بأهمية الصكوك القانونية البحرية، إضافة إلى النزاعات الحدودية البحرية التي تزداد حدتها مع اكتشاف الموارد الطبيعية الجديدة. وأشارت إلى قضيتي كينيا والصومال، وغانا وكوت ديفوار كنماذج عُرضت على المحاكم الدولية.
وأكدت أن برنامج الاتحاد الإفريقي للحدود حقق نجاحًا ملموسًا من خلال تسوية نزاعات بين دول مثل تنزانيا وموزمبيق، وجزر القمر وسيشل، وموريشيوس وسيشل. كما شددت على أن ضعف القدرات الفنية والبيانات العلمية يعيق الاستغلال الأمثل للثروات البحرية، وأن محاولات تأسيس قوة بحرية إفريقية جاهزة لا تزال غير كافية.
وحذرت من أن غياب التنسيق الإقليمي يتيح للأساطيل الأجنبية، خاصة من آسيا والاتحاد الأوروبي، استغلال ضعف الرقابة البحرية، مشيرة إلى أن 37% من الصيد في غرب إفريقيا يتم بطرق غير قانونية أو غير مُبلّغ عنها.
رسالة تقدير من المحكمة الدولية لقانون البحار
اختتمت السفيرة نميرة نجم كلمتها بالتأكيد على أن الحل يكمن في الإرادة السياسية والموارد البشرية المؤهلة، بما يضمن بيئة مناسبة للتعاون والتنمية في البر والبحر، وصولًا إلى إفريقيا التي يطمح إليها الجميع.
وأرسل القاضي ت. هايدار، رئيس المحكمة الدولية لقانون البحار، رسالة رسمية إلى السفيرة نميرة بعد انتهاء الورشة، أعرب فيها عن تقديره العميق لمشاركتها، مؤكدًا أن عرضها حول الاتحاد الإفريقي وقانون البحار كان موضع تقدير كبير وأثار نقاشًا مثمرًا. كما أشار إلى أن ورشة هذا العام ساهمت في تعزيز معرفة المشاركين باتفاقية قانون البحار وآليات تسوية النزاعات، مع تركيز خاص على إفريقيا، معربًا عن تطلعه إلى مشاركتها مستقبلًا في أنشطة بناء القدرات التي تنظمها المحكمة.
وشهدت الورشة أيضًا مشاركة المستشار إبراهيم الديواني من وزارة الخارجية المصرية، والبروفيسور موبينغ مويس مكان، أستاذ القانون الدولي ورئيس قسم القانون الدولي بجامعة جنيف، ورئيس الجمعية الإفريقية للقانون الدولي (AfSIL).
اقرأ المزيد