افتتح اليوم شريف فتحي، وزير السياحة والآثار المصري، مقبرة الملك أمنحتب الثالث في وادي الملوك بالبر الغربي بمحافظة الأقصر، بعد انتهاء أعمال الترميم التي استمرت أكثر من عشرين عامًا، في احتفال رسمي شهده عدد من كبار المسؤولين المصريين والدوليين.
شارك في الافتتاح كل من الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، والدكتور هشام أبو زيد نائب محافظ الأقصر، والدكتورة نوريا سانز مدير مكتب اليونسكو الإقليمي بالقاهرة، والمهندس أحمد يوسف مساعد وزير السياحة والآثار لشؤون الاستراتيجيات والقائم بأعمال الرئيس التنفيذي للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، وأحمد أيوب رئيس مجلس إدارة غرفة المنشآت الفندقية، إلى جانب عدد من قيادات الوزارة والخبراء في مجال الآثار والترميم.
مشروع ترميم ضخم استمر عقدين برعاية اليونسكو والجامعات اليابانية
يأتي افتتاح المقبرة بعد الانتهاء من تنفيذ مشروع «حفظ اللوحات الجدارية لمقبرة الملك أمنحتب الثالث»، الذي أُنجز بالتعاون بين المجلس الأعلى للآثار المصري وجامعتي واسيدا وهيجاڤي نيبون اليابانيتين، تحت رعاية منظمة اليونسكو – الصندوق الاستئماني الياباني.
ويُعد هذا المشروع نموذجًا متميزًا للتعاون المصري الياباني في مجال صون التراث الثقافي والحفاظ على الآثار المصرية القديمة.
مراحل تنفيذ مشروع الترميم
امتد تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل متتالية:
المرحلة الأولى (2001 – 2004): تضمنت أعمال الصيانة الأولية والتنظيف الدقيق للجداريات والنقوش.
المرحلة الثانية (2010 – 2012): ركزت على معالجة الشقوق والترميم الهيكلي والدقيق للأعمدة والجدران.
المرحلة الثالثة (2023 – 2024): استهدفت استكمال الحفظ الشامل، وترميم غطاء التابوت، ورفع كفاءة الإضاءة الداخلية والممرات.
وزير السياحة والآثار: إنجاز استثنائي يجسد التعاون المصري الياباني
أعرب الوزير شريف فتحي عن تقديره العميق للجهود الكبيرة التي بُذلت في تنفيذ المشروع، مؤكدًا أن هذا العمل يمثل إنجازًا استثنائيًا ونموذجًا للتعاون المثمر بين مصر واليابان في مجال الحفاظ على التراث.
ووجّه الوزير الشكر والتقدير إلى منظمة اليونسكو والجانب الياباني على دعمهم المستمر، مشيدًا بما قدمه المرممون والخبراء المصريون الذين عملوا لسنوات طويلة داخل المقبرة.
وأكد فتحي أن ما تحقق في مقبرة الملك أمنحتب الثالث يُعد إنجازًا فريدًا يعكس التزام مصر بالحفاظ على تراثها، وإعادة تقديم آثارها للأجيال القادمة في أبهى صورها.
وخلال الاحتفال، استدعى الوزير المرمم المصري محمد محمود – الذي شارك في أعمال الترميم منذ بدايتها – إلى منصة الاحتفال، ليعبّر عن سعادته الغامرة برؤية ثمرة عمله الطويل.
وقال محمود إن سعادته في هذا اليوم لا توصف، مشيرًا إلى أنه رغم بلوغه سن التقاعد، حرص على الحضور ليشهد تحقيق الحلم الذي كرّس له أكثر من عشرين عامًا من حياته المهنية.
الأمين العام للآثار: المقبرة إضافة متميزة لمقاصد السياحة الثقافية
قال الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن مقبرة الملك أمنحتب الثالث تُعد واحدة من أهم وأبرز المقابر في وادي الملوك، مشيرًا إلى أن إعادة افتتاحها بعد الترميم تمثل إضافة قوية للمقاصد السياحية المصرية، خصوصًا في مجال السياحة الثقافية.
وأكد خالد أن هذا المشروع يجسد شراكة حقيقية بين مصر واليابان واليونسكو، مشيدًا بجهود الأثريين والمرممين الذين شاركوا في المشروع، والذين عملوا بإخلاص من أجل صون هذا الأثر الفريد وتعزيز مكانة مصر العالمية في مجال التراث.
اليونسكو: يوم للاحتفال بالمعرفة والشراكة
من جانبها، عبّرت الدكتورة نوريا سانز، مديرة مكتب اليونسكو الإقليمي بالقاهرة، عن سعادتها بالمشاركة في هذا الحدث التاريخي، مؤكدة أن هذا اليوم يمثل احتفالًا بإنجازات متعددة، من أبرزها الشراكة المثمرة بين اليونسكو ووزارة السياحة والآثار والمجلس الأعلى للآثار والجانب الياباني.
وأشارت سانز إلى أن المشروع أسهم في تعميق المعرفة العلمية حول المقبرة ونقوشها، وكشف تفاصيل جديدة عن حياة الملك أمنحتب الثالث، الذي يُعد أحد أعظم ملوك مصر القديمة.
تفاصيل المشروع ومراحل التنفيذ
شارك في أعمال الترميم فريق دولي من الخبراء المصريين واليابانيين والإيطاليين، شمل اختصاصيين في ترميم الأحجار واللوحات الجدارية والهندسة المعمارية والمدنية، ومراقبة الصخور والمسح الضوئي ثلاثي الأبعاد، إلى جانب علماء المصريات.
وخلال المرحلتين الأولى والثانية، تم ترميم الرسوم الجدارية الفريدة التي تزين جدران وأعمدة وأسقف غرف المقبرة (E وI وJ)، إلى جانب إعادة تجميع أكثر من 200 قطعة من غطاء التابوت المصنوع من الجرانيت الأحمر، وتنظيف سطحه وتثبيته على قاعدة معدنية متينة تعكس مكانته الملكية.
كما تضمنت الأعمال رفع كفاءة الإضاءة الداخلية والسلالم المؤدية للمقبرة، وتزويد المدخل بلوحات تعريفية وتفسيرية توضح تاريخ المقبرة ومراحل الترميم، بما يمنح الزائر تجربة معرفية وثقافية متكاملة.
أهمية مقبرة أمنحتب الثالث التاريخية والفنية
تُعد مقبرة الملك أمنحتب الثالث من أكبر المقابر الملكية في البر الغربي بالأقصر، وتعكس ازدهار الفن المعماري والزخرفي في عصر الدولة الحديثة.
تتميز المقبرة بنقوشها وزخارفها الدقيقة التي تجسد رحلات الملك في العالم الآخر وتفاعله مع الآلهة، بينما يزدان سقفها بنجوم صفراء على خلفية زرقاء داكنة تمثل السماء، وتغطي جدران غرفة الدفن نصوص من كتاب الإيميدوات، أحد أهم النصوص الجنائزية في مصر القديمة.
وتشير الأدلة الأثرية إلى أن الملك تحتمس الرابع بدأ العمل في المقبرة قبل أن يستكملها ابنه أمنحتب الثالث.
وفي عصر الملك سمندس من الأسرة الحادية والعشرين، نُقلت مومياء أمنحتب الثالث إلى خبيئة المومياوات الملكية في مقبرة الملك أمنحتب الثاني (KV35)، بعد أن تعرضت المقبرة الأصلية للسرقة خلال فترات الاضطراب السياسي.
اكتشاف المقبرة وتاريخها الأثري
اكتُشفت المقبرة لأول مرة عام 1799 خلال الحملة الفرنسية على مصر بواسطة المهندسين الفرنسيين بروسبير جولواه وإدوارد دو فيلييه دو تيراج، رغم أنها كانت معروفة سابقًا للرحالة البريطاني ويليام جورج براون.
وفي عام 1915، أجرى عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر الكشف الكامل لمحتويات المقبرة، ما أضاف فصلًا مهمًا إلى تاريخ الاكتشافات الأثرية في وادي الملوك.
تعرضت المقبرة خلال القرن التاسع عشر لتلف كبير بسبب تراكم الأملاح والشقوق التي أصابت الجدران والأعمدة، مما أثر على سلامتها الإنشائية والفنية، وهو ما استدعى لاحقًا تنفيذ مشروع الترميم الطويل الأمد الذي اكتمل هذا العام بنجاح باهر.
التزام مصري بالحفاظ على التراث العالمي
يؤكد مشروع ترميم مقبرة الملك أمنحتب الثالث حرص الدولة المصرية على حماية تراثها الثقافي والإنساني بالتعاون مع شركائها الدوليين.
ويُعد المشروع نموذجًا يحتذى به للتعاون الدولي في صون التراث وإعادة إحياء الحضارة المصرية العريقة بأساليب علمية حديثة.
اقرأ المزيد
