صحيفة إثيوبية : طائرات أبي أحمد المسيرة تحصد أرواح الإثيوبيين وتقوّض الاستقرار

أديس ستاندرد : إنهاء عقيدة الطائرات المسيرة في إثيوبيا: لا يمكن لآبي أحمد أن يقصف طريقه نحو السلام
شنت صحيفة أديس ستاندرد الإثيوبية هجومًا لاذعًا على رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في افتتاحيتها الأخيرة، معتبرةً أن سياساته العسكرية القائمة على استخدام الطائرات المسيّرة تُعمّق الأزمة في البلاد بدلًا من أن تفتح طريقًا نحو السلام والاستقرار.
وقالت صحفية أديس ستناندرد في افتتاحيتها ” إنه في 4 سبتمبر 2025، أجرى أبي أحمد جولة داخل مصنع “إيرو أباي” لتجميع الطائرات المسيرة، حيث أعلن بفخر أن “الطائرات المسيرة المنتجة محليًا في إثيوبيا” أصبحت “أساسية في الدفاع عن المكاسب الاقتصادية للبلاد”، و”ضرورية لاستدامة الرخاء الوطني”. وقال رئيس الوزراء الاثيوبي نصًا: “نحن ننتج الآن عددًا كبيرًا من الطائرات المسيرة الانتحارية”، في إشارة واضحة إلى استخدامها لأغراض قتالية واستطلاعية.
وأضافت ” كما أشاد بقدرات المصنع على إنتاج طائرات استطلاع مسيرة قادرة على نقل مجموعة متنوعة من المعدات بسهولة، وأوضح أن العديد من المؤسسات الإثيوبية الأخرى تعمل أيضًا في صناعة الطائرات المسيّرة، مؤكدًا أن هذه التقنية تمثل تحولًا استراتيجيًا في الدفاع الوطني.
وتابعت الصحيفة ” وفي معرض حديثه عن العقبات السابقة التي واجهتها إثيوبيا في الحصول على التكنولوجيا المتقدمة، تفاخر آبي أحمد قائلًا: “لقد تطورنا الآن من مجرد شراء الطائرات المسيرة إلى إنتاجها بقدراتنا الذاتية.” وأضاف أن هذه الخطوة تمثل إنجازًا وطنيًا كبيرًا يعزز مكانة البلاد في المجالين العسكري والتكنولوجي.
وأوضح رئيس الوزراء أن بلاده تسعى إلى دمج القوة العسكرية بالتنمية الاقتصادية، قائلًا: “عندما تظهر تهديدات تمس وجود الأمة وسيادتها، فإن قوتنا التكنولوجية ستحمي تقدمنا الاقتصادي والاجتماعي.”
وأشار إلى أن الطائرات المسيّرة ليست مجرد أدوات دفاع، بل هي ركيزة أساسية في رؤية إثيوبيا للسيادة والتحديث، مقترحًا إمكانية استخدامها في أسراب “لتدمير حشود العدو” عند الضرورة، في إشارة إلى دورها الهجومي المباشر في الصراعات الداخلية.
ضحايا مدنيون في غارات الطائرات المسيّرة
ونوهت أديس ستاندرد إلي انه بعد أسابيع قليلة من هذه التصريحات المثيرة، نفذت طائرة مسيّرة غارة على مركز صحي في منطقة شمال وولو، أسفرت عن مقتل أربعة مدنيين بينهم امرأة حامل، إضافة إلى إصابة أكثر من عشرة أشخاص آخرين، جميعهم من المواطنين الإثيوبيين.
وأوضحت أديس ستاندرد أن هذه الحادثة المؤلمة، شأنها شأن مآسٍ سابقة، تُجسّد التناقض بين خطاب الحكومة حول التقدم والازدهار، وبين الواقع المأساوي الذي يعيشه المدنيون تحت القصف.
وقالت الصحيفة إنها وثّقت مرارًا وتكرارًا هذا الواقع المؤلم. ففي ديسمبر 2023، نشر مراسلوها تقريرًا عن قصف طال تجمعًا لكنيسة الإنجيل الكامل في قرية بارو بمنطقة هورو غودورو في إقليم أوروميا، مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص.
وفي فينوت سيلام بمنطقة شرق غوجام في إقليم أمهرة، أكدت الصحيفة أن غارة بطائرة مسيّرة في أغسطس 2023 أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 30 مدنيًا، معظمهم من الشباب في العشرينات من أعمارهم.
كما أكدت لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية لاحقًا وقوع هجمات في مدينة ديبري ماركوس، بينما وثّق محققو الأمم المتحدة غارات استهدفت محطة حافلات ومدرسة، وأدت إلى مقتل 20 مدنيًا على الأقل، بينهم أطفال.
استمرار الغارات منذ حرب تيغراي
وأضافت الصحيفة أن هذه المآسي ليست حوادث منفصلة، بل تندرج ضمن نمط متكرر من استخدام الطائرات المسيّرة ضد المدنيين. وخلال الحرب المدمرة التي استمرت عامين في إقليم تيغراي، شنت الحكومة الإثيوبية عدة هجمات بالطائرات بدون طيار، أبرزها الضربة الجوية على مخيم النازحين في ديديبيت في يناير 2022، التي أودت بحياة 56 مدنيًا.
كما نُفذت غارة أخرى على مطحنة دقيق في ماي تسيبري، أسفرت عن مقتل 17 شخصًا.
وأشارت الافتتاحية إلى أن الصحيفة كانت قد دعت في يناير 2024 إلى ضبط النفس ووقف استهداف المدنيين من قبل قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، إلا أن هذه الدعوات لم تجد آذانًا صاغية. وبعد مرور أكثر من عام ونصف على تلك الدعوة، لا يزال المدنيون في مناطق عدة من البلاد يعيشون تحت تهديد دائم من غارات الطائرات المسيّرة.
الاعتماد على القوة بدلاً من الحوار
وترى الصحيفة أن إثيوبيا تواجه اليوم نفس المصير الذي ورثته عن طبيعتها السياسية والعسكرية، إذ اختارت الحكومة الاعتماد على الطائرات المسيّرة بدلاً من تبنّي مسار الحوار والمصالحة الوطنية، لتستبدل بذلك استعراض القوة العسكرية المؤقت بـ عدم استقرار طويل الأمد.
وتؤكد الصحيفة أن التجارب العالمية السابقة تقدم دروسًا كثيرة لإثيوبيا في هذا السياق. ففي كتابه الشهير “الموت من الأعلى: الطائرات المسيّرة وفقدان القلوب والعقول” (2013)، حذّر عالم الأنثروبولوجيا جيفري أ. سلوكا من أن فكرة “دقة الطائرات المسيّرة” ما هي إلا خرافة خطيرة.
ونقل عن الخبير الأمريكي في مكافحة التمرد ديفيد كيلكولن قوله أمام الكونغرس الأمريكي إن كل مدني يُقتل في غارة مسيّرة يخلّف وراءه عائلة غاضبة ورغبة في الانتقام، مما يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع بدلاً من إنهائه.
وخلص سلوكا إلى أن الطائرات المسيّرة هي “أسلحة إجرامية تُستخدم لترهيب الشعوب”، وهو ما يعكس بدقة واقع إثيوبيا اليوم، حيث تتزايد مشاعر الغضب والمرارة بين المواطنين الذين نجوا من تلك الغارات المتكررة.
دروس من التجربة الأفغانية وتحذير لإثيوبيا
وأضافت أديس ستاندرد أن انهيار الحكومة الأفغانية عام 2021 بعد عقدين من الحملات الأمريكية بالطائرات بدون طيار يجب أن يكون عبرة تحذيرية لإثيوبيا. فبدلاً من تحقيق الأمن، أدى الاعتماد على الضربات الجوية إلى تآكل الثقة بين الدولة والمواطنين، وتزايدت النزعات الانتقامية، مما مهد الطريق لعودة طالبان إلى السلطة في كابول.
وتحذر الصحيفة من أن إثيوبيا تسير على الطريق نفسه، إذ تستبدل الحلول السياسية بنهج عسكري قصير الأمد لا يجلب سوى فقدان الاستقرار وتآكل شرعية الدولة. فكل ضحية مدنية، سواء كانت في كنيسة أو مدرسة أو مستشفى، لا تمثل فقط مأساة إنسانية، بل هي أيضًا جرح سياسي عميق يقوّض الثقة في الحكومة ويضعف شرعيتها أمام شعبها والعالم.
المسؤولية المباشرة لرئيس الوزراء آبي أحمد
وحملت الصحيفة في ختام افتتاحيتها رئيس الوزراء آبي أحمد المسؤولية المباشرة عن هذه العقيدة العسكرية الجديدة، معتبرةً أن خطابه الذي يمجد الطائرات المسيرة كرمز للسيادة والتقدم الوطني ساهم في تطبيع استخدامها كأداة حرب داخلية، وأدى إلى ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب داخل المؤسسة العسكرية.
وأكدت أن الكلمات والخطابات الرسمية لا يمكن أن تخفي الحقيقة المؤلمة التي يعيشها المواطنون يوميًا، مشددة على أن الطائرات المسيّرة ليست طريقًا نحو السلام، بل وسيلة لإدامة العنف والانقسام.
واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بالقول:”كل وفاة مدنية، سواء في كنيسة أو مدرسة أو مستشفى، ليست مجرد مأساة إنسانية، بل هي أيضًا جرح سياسي يقوض شرعية الدولة.
لا يمكن لإثيوبيا أن تشق طريقها إلى السلام بالقصف؛ فالقنابل لا تبني الأوطان، والطائرات المسيّرة ليست الحل.”
إقرأ المزيد :