أخبار عاجلةغرب افريقيا

الكاميرون: 8 مليون ناخب يختارون رئيسهم اليوم وبول بيا العجوز الذي لا يترجّل يطرق أبواب الولاية الثامنة في البلاد

في الكاميرون بينما تتجه أنظار 8 مليون من المواطنين اليوم نحو صناديق الاقتراع، تتهيأ البلاد لمشهد سياسي مألوف منذ أكثر من أربعة عقود: الرئيس بول بيا، البالغ من العمر 92 عامًا، يستعد لولاية جديدة، متجاهلًا الدعوات المتصاعدة إلى التقاعد ومطالب التغيير التي تتردّد في شوارع ياوندي ودوالا، وحتى في حسابات تيك توك الخاصة بعائلته.
ومنذ أن تولّى بول بيا الحكم عام 1982، تحوّل من رئيس دولة إلى ما يشبه “رمز النظام” في الكاميرون، لا يُعرف بديله، ولا يُتخيل المشهد السياسي بدونه، على مدى أكثر من 40 عامًا، حافظ الرجل على قبضته الحديدية، وسط تغيّر أجيال، وانهيار أنظمة، وصعود ديمقراطيات من حوله في إفريقيا.

لكنّ هذه المرة تختلف في ظاهرها؛ فبيا يخوض سباقه الثامن وقد بلغ الثانية والتسعين، في وقت لم يعد يخفي فيه تدهور صحته وقلّة ظهوره العلني، بينما تتسع هوة الإحباط بين الحاكم والشباب الذين يشكّلون أغلبية سكان البلاد.

يدخل بيا هذه الانتخابات في مواجهة 11 مرشحًا معارضًا، من أبرزهم الوزير السابق عيسى تشيروما باكاري، الذي انشقّ مؤخرًا عن الحزب الحاكم وجمع آلاف الأنصار في مسيرات رمزية أكثر منها انتخابية.
أما موريس كامتو، الذي كاد يزيح بيا في انتخابات 2018، فقد مُنع من الترشح بأمر قضائي، وهو ما اعتبرته المعارضة “إقصاءً متعمّدًا لمنافس حقيقي”.

ويرى مراقبون أن المعارضة الكاميرونية، على تنوعها، تفتقر إلى التنسيق والقيادة الموحدة القادرة على كسر احتكار السلطة. ويبدو أن النظام يستفيد من هذا الانقسام لتثبيت شرعيته عبر صناديق انتخابية محكومة سلفًا.

وراء الصخب السياسي، يعيش ثلث الكاميرونيين تحت خط الفقر بأقل من دولارين في اليوم، بينما تتفشى البطالة وتتصاعد أسعار السلع الأساسية. في المدن الكبرى، يتحدث الشباب عن انتخابات لا تعنيهم كثيرًا، ويعتبرونها مسرحًا مغلقًا لا يبدّل الوجوه.

يقول “ثيوفيل”، فنان شاب من دوالا: “ما دام النظام قائمًا، لا سبيل إلى التغيير.”
كلمات تعبّر عن مزاج جيلٍ فقد الثقة في العملية الديمقراطية التي تحوّلت – بحسب وصفهم – إلى طقس لتجديد البيعة أكثر من كونها تنافسًا على البرامج.

ومنذ عام 2017، لم تهدأ الجبهات في المناطق الناطقة بالإنجليزية شمال غربي وجنوبي البلاد. آلاف القتلى، و700 ألف نازح داخلي، ومدن تحولت إلى بؤر نزاع وصمت دولي مريب.
وترى زعيمة حزب الشعب، كاه والا، أن الذهاب إلى الانتخابات دون ضمان أمن المواطنين في تلك المناطق “عمل غير معقول”، مؤكدة أن حزبها يقاطع الانتخابات منذ 2018 لهذا السبب.

الرد الحكومي لم يكن مقنعًا، إذ يصرّ بيا على أن “الاستقرار أولًا”، متعهدًا خلال تجمعه الأخير في مدينة ماروا بـ“تعزيز الأمن” وتحسين البنية التحتية في الشمال، دون التطرق صراحةً إلى ملف الانفصاليين.

انشقاقات العائلة والكنيسة تزيد الضغط

لم تأتِ الضغوط على بيا فقط من خصومه السياسيين، بل امتدت إلى الكنيسة والعائلة.
رئيس الأساقفة الكاثوليكي صموئيل كليدا دعا علنًا إلى تنحيه، معتبرًا استمرار حكمه “غير واقعي”.
أما المفاجأة الكبرى فكانت من داخل بيته؛ حين خرجت ابنته بريندا بيا، البالغة 27 عامًا، عبر “تيك توك” لتقول إن والدها “تسبب في معاناة الكثيرين”، داعية الكاميرونيين إلى عدم التصويت له، قبل أن تتراجع لاحقًا تحت ضغط العائلة.

صناديق مغلقة ومستقبل غامض

وسط مؤشرات ضعف الإقبال وتضاؤل الثقة، تتجه الكاميرون إلى انتخابات تبدو نتائجها محسومة، لكنها تحمل في طياتها سؤالًا أكبر:
إلى متى يمكن لنظامٍ يقوده رجل تسعيني أن يستمر في إدارة بلدٍ يفيض بالشباب؟

قد يفوز بول بيا مجددًا، لكن الكاميرون – كما يرى المراقبون – تخسر جيلًا بعد جيل، وتغوص أكثر في أزمة هوية سياسية تبحث عن تجديدٍ حقيقي بعد نصف قرن من الجمود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »