انقلاب عسكري في مدغشقر.. وحدة النخبة تطيح بالرئيس راجولينا وسط فوضى سياسية واحتجاجات غاضبة

تعيش مدغشقر واحدة من أكثر مراحلها السياسية توتراً منذ سنوات، بعد أن أعلنت وحدة النخبة في الجيش، المعروفة باسم “كابسات”، الثلاثاء، استيلاءها على السلطة في العاصمة أنتاناناريفو، عقب ساعات من قرار الجمعية الوطنية عزل الرئيس أندري راجولينا، الذي وصف ما حدث بأنه محاولة انقلاب عسكري، مؤكداً تمسكه بالحكم واستمراره في أداء مهامه.
وأعلن قائد وحدة “كابسات”، الكولونيل ميكاييل راندريانيرينا، من أمام القصر الرئاسي، أن الجيش قرر تولي السلطة اعتباراً من اليوم، وحلّ مجلس الشيوخ والمحكمة الدستورية العليا، مع السماح للجمعية الوطنية بمواصلة عملها. وأكد أن لجنة تضم ضباطاً من الجيش والدرك والشرطة، إضافة إلى مستشارين مدنيين كبار، ستتولى مهام الرئاسة، على أن تُشكل حكومة مدنية خلال أيام.
في المقابل، سارعت رئاسة مدغشقر إلى رفض إعلان الجيش، معتبرةً أنه محاولة انقلاب واضحة، مشددة على أن الرئيس راجولينا لا يزال في منصبه بشكل كامل، وأنه يضمن الحفاظ على النظام الدستوري والاستقرار الوطني.
وجاء في بيان رسمي للرئاسة أن “وجود قوات عسكرية مسلحة أمام القصر الرئاسي يُعد خرقاً واضحاً للدستور ومحاولة انقلابية تستهدف الدولة”.
وكان الرئيس راجولينا، الذي لجأ إلى مكان غير معلن بعد تصاعد الاحتجاجات ضده، قد أصدر صباح الثلاثاء مرسوماً بحل الجمعية الوطنية، معتبراً أن جلسة التصويت على عزله “تفتقر إلى أي أساس قانوني”. وأوضح في منشور على صفحة الرئاسة في “فيسبوك” أن القرار يأتي “عملاً بالمادة 60 من الدستور”، مضيفاً أن الحلّ يهدف إلى إعادة النظام وتعزيز الديمقراطية في البلاد.
وينص دستور مدغشقر على ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية خلال فترة تتراوح بين 60 و90 يوماً من تاريخ حل الجمعية الوطنية.
وفي خطاب متلفز عبر “فيسبوك”، دعا راجولينا إلى “احترام الدستور”، نافياً أي نية للاستقالة، ومؤكداً أنه يقوم بزيارات رسمية لعدد من الدول الصديقة وأعضاء مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي.
من جهتها، نقلت إذاعة فرنسا الدولية عن مصادر مطلعة أن الرئيس أُخرج من البلاد عبر طائرة عسكرية فرنسية الأحد الماضي، وهو ما لم تؤكده باريس رسمياً حتى الآن. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد قال خلال قمة شرم الشيخ حول غزة: “لا أؤكد شيئاً اليوم” بشأن هذه الأنباء.
وشهدت العاصمة أنتاناناريفو تظاهرات ضخمة شارك فيها آلاف المحتجين، معظمهم من الشباب المنتمين لحركة “الجيل زد”، إلى جانب موظفين حكوميين استجابوا لدعوات الإضراب من قبل النقابات. وردد المتظاهرون شعارات تطالب بـ “تغيير النظام” و”إنهاء الفساد المستشري”، كما ظهرت لافتات معادية لفرنسا كُتب عليها “اخرجي يا فرنسا” و”راجولينا وماكرون ارحلا”.
يُذكر أن وحدة “كابسات” لعبت دوراً محورياً في انقلاب عام 2009 الذي أوصل راجولينا نفسه إلى الحكم، ما يزيد من رمزية تحركها الحالي. وقد تبعتها لاحقاً معظم وحدات الجيش، بما في ذلك قوات الدرك، التي كانت سابقاً في طليعة قمع المظاهرات.
وأعلنت الأمم المتحدة أن 22 شخصاً على الأقل لقوا مصرعهم وأصيب نحو 100 آخرين في الأيام الأولى من الاحتجاجات العارمة التي بدأت في 25 سبتمبر الماضي.
أما البرلمان، فقد أقرّ عزل الرئيس راجولينا بأغلبية ساحقة بلغت 130 صوتاً من أصل 163 عضواً، وهي نسبة تفوق الثلثين المطلوبة دستورياً. وكان من المفترض أن يحال القرار إلى المحكمة الدستورية العليا لاعتماده، غير أن الكولونيل راندريانيرينا أعلن حلّ المحكمة، ما زاد المشهد الدستوري غموضاً.
وتُعرف مدغشقر بتاريخها الحافل بالانتفاضات الشعبية التي غالباً ما تفضي إلى تدخل الجيش وتشكيل حكومات انتقالية. وتواجه البلاد حالياً أزمة اقتصادية حادة، إذ يعيش أكثر من 80% من سكانها البالغ عددهم 32 مليون نسمة تحت خط الفقر، بأقل من 15 ألف أرياري يومياً (ما يعادل نحو 3.25 دولارات فقط).
ومع تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية، يخشى مراقبون أن تدخل مدغشقر في مرحلة جديدة من الاضطرابات وعدم الاستقرار، في ظل غياب رؤية واضحة لمسار السلطة وانتظار موقف المجتمع الدولي من التطورات الأخيرة.
اقرأ المزيد
مصر تدعو لإعادة عضوية مالي وبوركينا فاسو والنيجر بالإتحاد الأفريقي