جنوب السودان: إقالة نائب الرئيس وتصاع

شهدت الساحة السياسية في جنوب السودان زلزالاً مدوياً بإعلان الرئيس سلفا كير إقالة نائبه بنيامين بول ميل من منصبه، في خطوة مفاجئة أطاحت بالمرشح الأبرز لخلافة الرئيس المسن، وأعادت ترتيب المشهد السياسي في البلد الأفريقي المضطرب.
وأصدر رئيس جنوب السودان سلفا كير مساء الأربعاء سلسلة من المراسيم الرئاسية التي أقالت بنيامين بول ميل من منصب نائب الرئيس المسؤول عن الشؤون الاقتصادية، كما عزلته من منصبه كنائب أول لرئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة .
ولم تكتفِ هذه القرارات بإقالته من المناصب السياسية، بل شملت أيضاً تخفيض رتبته العسكرية من فريق أول إلى جندي في جهاز الأمن الوطني، في خطوة استثنائية تعكس عمق الخلاف بين الرجلين.
وجاءت هذه الإجراءات بعد ساعات من سحب الحراسة الأمنية المخصصة لميل من مقر إقامته ومكتبه في العاصمة جوبا، فيما نفي مكتبه في وقت سابق ما وصفه بـ”الشائعات غير المثبتة” عن اعتقاله .
شهد بنيامين بول ميل، البالغ من العمر 52 عاماً ، صعوداً سياسياً استثنائياً حيث عُين نائباً للرئيس لشؤون الاقتصادية في فبراير 2025 خلفاً للسياسي المخضرم الدكتور جيمس واني إيقا، ثم توالت ترقياته بسرعة لافتة، ففي مايو 2025 اختير نائباً أول لرئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ، وفي سبتمبر 2025 رُقي إلى رتبة فريق أول في جهاز الأمن الوطني .
هذه الترقيات المتلاحقة غذت التكهنات بأنه يُعد خليفة محتملاً للرئيس كير، خاصة في ظل معاناة الأخير من تدهور في صحته وتقدمه في العمر .
وعلى الرغم من أن المراسيم الرئاسية في جنوب السودان لم تذكر أسباباً محددة للإقالة إلا أن التكهنات تشير إلى عدة عوامل:
تزايد النفوذ والطموح الرئاسي: يُعتقد أن الصعود السريع لبول ميل وطموحاته الرئاسية المتزايدة أثارت مخاوف الرئيس كير، وقد تجلى هذا في استقلاليته المتزايدة وقيامه بجولات إقليمية ونشاط اقتصادي ملحوظ .
كان بول ميل تحت عقوبات أمريكية منذ عام 2017 بتهمة الفساد، كما اتهم تقرير للأمم المتحدة في سبتمبر 2025 شركات تابعة له باستخدام عائدات النفط وتحويلها إلى مسؤولين في النظام .
أفادت مصادر موثوقة عن وجود نزاعات حول إدارة عائدات النفط بين يوليو 2024 ونوفمبر 2025، وهي الفترة التي يُزعم خلالها اختفاء أكثر من 700 مليون دولار من الحسابات الحكومية .
و تزامنت فترة توليه مسؤولية الملف الاقتصادي مع فشل الحكومة في كبح جماح التضخم واستقرار الاقتصاد، وتأتي هذه التغييرات في قيادة الحكومة في وقت بالغ الحساسية، حيث تواجه البلاد:
أزمة خلافة محتملة، ويُعتبر إقالة بول ميل أحدث مؤشر على حالة عدم الاستقرار الحكومي في بلد يحاول التعافي من سبع سنوات من الحرب الأهلية .
وحذر رئيس عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة جان بيير لاكروا من أن الأزمة في جنوب السودان تتزااد و”نقطة الانهيار” أصبحت مرئية .
وأدى تعليق نائب الرئيس الأول رياك مشار واتهامه بالخيانة والجرائم ضد الإنسانية إلى تقويض اتفاق السلام و تأجيل الانتخابات فقد شهد جنوب السودان تأجيلاً طويلاً للانتخابات الرئاسية، مما أدى إلى اندلاع أعمال عنف جديدة .
خلاصة المشهد تمثل إقالة بنيامين بول ميل منصب نائب الرئيس منعطفاً حاداً في المسار السياسي لجنوب السودان، وتكشف عن عمق الصراعات داخل النخبة الحاكمة، في حين قد تُظهر هذه الخطط محاولة من الرئيس سلفا كير تعزيز قبضته على السلطة استعداداً للمرحلة المقبلة، فإنها تثير تساؤلات حادة حول مستقبل الاستقرار في البلاد وقدرتها على تجنب العودة إلى حرب أهلية جديدة.




