اتفاق واشنطن ينهار خلال 48 ساعة.. جنوب كيفو تشتعل و”إم 23″ تعيد الدمار والنزوح إلى الواجهة

لم يمضِ سوى يومين على توقيع رئيسي الكونغو الديمقراطية ورواندا لاتفاق في واشنطن برعاية أمريكية، حتى تحول هذا التفاهم إلى رماد، مع تجدّد الاشتباكات العنيفة بين الجيش الكونغولي وحركة “إم 23” في جنوب كيفو، في مشهد يعكس هشاشة أي مسار دبلوماسي لا يستند إلى ضمانات جادة على الأرض.
ما يحدث اليوم ليس إلا فصلاً جديدًا من أزمة مزمنة طالما اختبرت مصداقية الاتفاقيات الإقليمية والدولية. فالتصعيد العسكري لم يفاجئ الخبراء المتابعين لتعقيدات المشهد؛ إذ يبرز حجم فجوة الثقة بين الأطراف، ويؤكد أن أي التزام مكتوب ينهار سريعًا أمام دوافع سياسية وعسكرية واقتصادية تدفع نحو إطالة أمد الفوضى. فهذه المنطقة، الغنية بالمعادن النادرة، لا تزال مركزًا لصراعات إقليمية بالوكالة تُستخدم فيها الجماعات المسلحة كأدوات لتحقيق مكاسب استراتيجية.
جحيم جنوب كيفو وعودة النزوح الجماعي
على الأرض، تحولت جنوب كيفو إلى جحيم حقيقي. الاتهامات المتبادلة بين الجيش الكونغولي ومتمردي “إم 23” بخرق وقف إطلاق النار أثبتت أن الهدنة لم تكن سوى “حبر على ورق”. التقارير تشير إلى قصف مكثف طال مناطق مثل لوفونغي وكاتوغوتا، وأسفر عن سقوط عشرات الضحايا المدنيين، في وقت غابت فيه أي حماية فعلية للسكان.
ومع تجدّد الاشتباكات، اندفعت موجات جديدة من النازحين إلى طرق وعرة، محملين ما تيسر من متاع، بحثًا عن ملاذ آمن يعلمون مسبقًا أنه غير مضمون. صرخات ألين سامبوكا وآلاف غيرها من السكان المطالبين بـ”إنهاء هذه الحرب” والعودة إلى ديارهم، تتردد في فراغ سياسي قاتم يعكس عجز المنظومة المحلية والدولية عن وقف النزيف الإنساني.
بين دبلوماسية الرفاه وواقع الميدان
تكشف هذه التطورات أن الدبلوماسية القائمة على القمم والاتفاقات الموقعة بعيدًا عن رائحة البارود مصيرها الفشل، إذا لم تُدعّم بآليات رقابة محايدة وفورية، وإرادة سياسية حقيقية من الأطراف المحلية والإقليمية، خصوصًا تلك المتهمة بدعم الجماعات المسلحة.
اتفاق واشنطن بات اليوم أشبه بإجراء شكلي لم يتطرق إلى جذور النزاع العميقة، من قضايا الهوية والتمثيل السياسي، إلى السيطرة على الموارد والتدخلات الإقليمية. فالسلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع رسمي؛ يحتاج إلى تغيير جذري في حسابات الربح والخسارة لدى القوى الفاعلة، وإلا ستظل دوامة العنف والنزوح تتكرر، ويظل المدنيون الكونغوليون يدفعون الثمن وحدهم من دمائهم وأحلامهم.




