أخبار عاجلةاخبار افريقياالقرن الافريقى

الدوحة تستضيف حواراً مصيريًا حول الصومال

مصر تحذر من تحويل القرن الأفريقي إلى ساحة صراع إقليمي

عُقدت الجلسة النقاشية رفيعة المستوى حول بناء الدولة في الصومال ضمن فعاليات “منتدى الدوحة”، وهو منصة دعا لها سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وتجمع تحت مظلتها عدداً من قادة العالم وصناع السياسات. انعقاد هذه الجلسة تحديداً في الدوحة يحمل دلالات عميقة، حيث تبرز قطر كلاعب دبلوماسي فاعل في ملفات القرن الأفريقي، مستغلة شبكة علاقاتها مع جميع الأطراف، بما في ذلك الحكومة الصومالية الفيدرالية وحكومات الولايات والإسلاميين السياسيين. الحضور المصري القوي عبر وزير خارجيتها، د. بدر عبد العاطي، يرسل رسالة واضحة بإعادة التأكيد على الوجود والمصلحة المصرية الثابتة في هذا الملف الحيوي، في مواجهة النفوذ المتصاعد لكل من تركيا (التي لها وجود عسكري ودبلوماسي واقتصادي ضخم في مقديشو) وإثيوبيا (التي تتطلع للوصول إلى البحر عبر تفاهمات مثيرة للجدل مع أرض الصومال). الجلسة بحد ذاتها تعكس الاعتراف الإقليمي والدولي بأن استقرار الصومال هو معادلة مركبة تتقاطع فيها جهود بناء الدولة مع صراعات الجيوبوليتيكا.

تحليل الخطاب المصري: الأمن القومي والمبادئ الثابتة في مواجهة التحديات المركبة

خطاب الوزير عبد العاطي لم يكن مجرد تأكيد على الدعم الروتيني، بل كان إطاراً تحليلياً واستباقياً للتحديات. يمكن تفكيك رسائله الأساسية على النحو التالي:

1. الرفض القاطع للتدخلات الأحادية والتنافس الضار: تحذيره من تحويل المنطقة إلى “ساحة للتنافس الإقليمي” هو إشارة مباشرة إلى الممارسات التي تراها القاهرة مهددة لأمن البحر الأحمر، مثل مذكرة التفاهم المثيرة للجدل بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال (صوماليلاند) حول المنفذ البحري، والنفوذ العسكري التركي المتنامي. تأكيده على “رفض أي إجراءات أحادية” هو تأييد صريح لموقف الحكومة الفيدرالية الصومالية في مواجهة أي محاولات للاعتراف بالانفصال أو تقويض السيادة.
2. النموذج المصري للدعم: المؤسسية وبناء الكوادر: استعرض الوزير نهجاً مميزاً يرتكز على بناء القدرات البشرية والمؤسسية كحجر أساس للاستقرار الدائم. ذكر “الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية” و”مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات” ليس عرضاً للخدمات، بل تقديم نموذج بديل عن الدعم الذي يرتكز فقط على الجانب الأمني أو المشاريع الظرفية. يشمل هذا النموذج تدريب الكوادر الأمنية والقضائية والإدارية، بالإضافة إلى منح الدراسة في الأزهر والجامعات المصرية، مما يبني جيلاً من الصوماليين مرتبطاً بمصر فكرياً ومهنياً.
3. التحدي المزدوج: الإرهاب وهشاشة بناء الدولة: لفت عبد العاطي بذكاء إلى أن التحديات “مركبة”، فهي ليست فقط مواجهة حركة “الشباب” المسلحة، بل أيضاً الضغوط الهائلة لبناء مؤسسات دولة فعالة من الصفر في ظل انقسامات سياسية داخلية وضغوط اقتصادية وخارجية. هذا التشخيص الدقيق يضع المسؤولية على المجتمع الدولي لفهم تعقيد الملف وعدم اختزاله في الحرب على الإرهاب فقط.
4. النداء الدولي لتمويل بعثة الاتحاد الأفريقي: جسر الاستقرار: تحذيره من “النقص المستمر في التمويل” لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (ATMIS) يلمس أحد الأعصاب الحساسة. كثير من الشركاء الغربيين يركزون على الدعم المباشر للجيش الصومالي، بينما يعد الاستمرار الفعّال لبعثة الاتحاد الأفريقي، التي تضم قوات من دول الجوار الأفريقي، ضرورياً كجدار حماية خلال المرحلة الانتقالية الحرجة حتى تكتمل قدرات الجيش الصومالي. دعوته هذه هي دعوة للحفاظ على الإطار الأفريقي الجماعي للحل، وعدم التخلي عنه لصالح حلول فردية قد تزيد من تعقيد المشهد.

الخلاصة: مشاركة مصر في المنتدى وخطاب وزيرها كانا أداءً دبلوماسياً متكاملاً يهدف إلى تعزيز الثقة مع الحكومة الصومالية، وتقديم رؤية بديلة قائمة على الاستقرار الطويل الأمد وبناء المؤسسات، وتحذير الأطراف الإقليمية من العبث بسيادة الصومال، وحث المجتمع الدولي على تقديم دعم مستدام وجاد. هذا الموقف المصري يحاول رسم طريق وسط بين النفوذ التركي المكثف على الأرض والمشاريع الإثيوبية الطموحة، مع التأكيد على أن القاهرة لن تكون طرفاً هامشياً في معادلة مستقبل القرن الأفريقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »