” النار تحت الرماد ” .. اتفاق واشنطن للسلام في شرق الكونغو مهدد بالانهيار وتحذيرات من حرب إقليمية وشيكة

يواجه اتفاق واشنطن للسلام في إقليم شرق الكونغو، الذي وقّعه كل من الرئيس الرواندي بول كاجامي ونظيره رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، بوساطة أمريكية وتحت رعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اختبارًا حقيقيًا لمستقبله، عقب اندلاع مواجهات مسلحة عنيفة بين الجيش الكونغولي وحركة “إم 23” المسلحة، في تطور أعاد الأزمة إلى مربع الصراع المفتوح بعد فترة قصيرة من التفاؤل الحذر.
وجاءت هذه التطورات وسط اتهامات رسمية أطلقتها الحكومة الرواندية، اليوم الأربعاء، ضد كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوروندي بارتكاب “انتهاكات متعمدة” لعملية السلام، وذلك عقب دخول حركة “إم 23” التي تحظى بدعم من كيغالي إلى بلدة استراتيجية في شرق البلاد، ما اعتُبر تهديدًا مباشرًا لبنود اتفاق التهدئة.
عودة شبح الحرب إلى شرق الكونغو
مع تسارع الأحداث الميدانية، بات الاتفاق أقرب إلى الانهيار، مما ينذر بتجدد واحدة من أطول وأعقد الأزمات في إفريقيا والعالم، حيث يُعد إقليم شرق الكونغو ساحة صراع مزمنة على النفوذ والموارد والثروات الاستراتيجية.
وفي هذا السياق، طرح موقع “أفرو نيوز 24” تساؤلات على عدد من خبراء الشؤون الإفريقية حول مصير اتفاق واشنطن في ظل هذا التصعيد المتسارع.
رامي زهدي: الاتفاق ولد هشًا وتجاهل جذور الأزمة

قال خبير الشؤون الإفريقية رامي زهدي إن شرق الكونغو الديمقراطية عاد مجددًا إلى واجهة المشهد الإفريقي المضطرب، ليس كصراع محلي محدود، بل باعتباره واحدة من أخطر ساحات التنافس الإقليمي والدولي على الموارد والنفوذ في قلب القارة.
وأوضح أن تجدد الاشتباكات وتصاعد نشاط الميليشيات، وعلى رأسها حركة “إم 23”، يعكسان مخاوف حقيقية من انهيار اتفاق واشنطن للسلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية قبل أن يتحول إلى واقع فعلي على الأرض.
وأشار إلى أن الاتفاق، في جوهره، لم يكن اتفاق سلامًا متكاملًا، بل محاولة دبلوماسية لاحتواء التصعيد، دون معالجة حقيقية لجذور الصراع، التي تتمثل في تشابك ثلاثة مسارات رئيسية: المسار الأمني، والمسار الاقتصادي، والمسار الجيوسياسي الإقليمي والدولي.
وأكد أن غياب المعالجة المتكاملة لهذه المسارات جعل الاتفاق هشًا بطبيعته، قابلًا للانهيار عند أول اختبار ميداني.
الميليشيات واقتصاد الحرب.. قلب الصراع الحقيقي
وأضاف زهدي أن حركة “إم 23” لم تعد مجرد فصيل مسلح خارج عن القانون، بل تحولت إلى أداة ضغط إقليمي لإعادة رسم توازنات القوى على الأرض، مشددًا على أن أي اتفاق لا يتضمن تفكيك البنية المسلحة للميليشيات، وتجفيف مصادر تمويلها، وفصلها عن شبكات المصالح العابرة للحدود، هو اتفاق “مؤجل الانفجار”.
وأوضح أن شرق الكونغو يعد من أغنى مناطق العالم بالمعادن الاستراتيجية مثل الكوبالت والليثيوم والذهب والنحاس، وهي معادن تدخل بشكل مباشر في الصناعات التكنولوجية والطاقة النظيفة، ما جعل “اقتصاد الحرب” هو المحرك الخفي لاستدامة الصراع.
وأشار إلى أن هذا الاقتصاد لم يعد مرتبطًا بالميليشيات فقط، بل تشابك مع شبكات تهريب إقليمية وشركات دولية، فضلًا عن صراعات نفوذ بين قوى كبرى تسعى لتأمين سلاسل إمداد الطاقة والتكنولوجيا.
وشدد على أن أي اتفاق لا يعالج ملف تهريب المعادن وتنظيم قطاع التعدين وربط العائدات بالاقتصاد الوطني الكونغولي يترك أخطر أسباب الصراع دون علاج حقيقي.
ثلاثة سيناريوهات لمصير اتفاق واشنطن
حدّد زهدي ثلاثة مسارات محتملة لمستقبل الاتفاق، أولها سيناريو “الاحتواء المؤقت”، حيث يستمر الاتفاق شكليًا مع تهدئة هشة وصدامات محدودة دون حل جذري، وهو ما يعني إدارة الأزمة لا صناعة السلام.
وثانيها سيناريو “الانهيار المرحلي”، وفيه يسقط الاتفاق عمليًا دون إعلان رسمي، وتعود المعارك بوتيرة أوسع، مع تصاعد تبادل الاتهامات وفقدان الثقة في أي مسار تفاوضي جديد.
أما السيناريو الأخطر فهو “الانفجار الإقليمي”، حيث تتحول شرق الكونغو الديمقراطية إلى ساحة حرب مفتوحة تتداخل فيها قوى إقليمية ودولية، بما يهدد استقرار منطقة البحيرات العظمى بأكملها.
وأكد أن اتفاق واشنطن بصيغته الحالية يفتقر إلى “أنياب الردع”، لغياب آليات دولية صارمة للتنفيذ، وعدم وجود قوة ردع على الأرض، فضلًا عن غياب المعالجة الاقتصادية لجذور الأزمة.
محمد تورشين: انهيار الاتفاق كان متوقعًا
من جانبه، قال الخبير في الشؤون الإفريقية الدكتور محمد تورشين إن انهيار الاتفاق كان متوقعًا منذ اللحظات الأولى، بسبب عدم قدرة الأطراف على التوصل إلى تفاهمات حقيقية لوقف دعم الحكومة الرواندية لحركة “23 مارس”، بالإضافة إلى ضعف الحكومة المركزية الكونغولية في فرض سيطرتها على المناطق الشرقية الغنية بالثروات.
وأضاف أن الجهود التي بذلتها واشنطن وقطر لتحقيق السلام كشفت حجم التناقضات والإشكاليات البنيوية بين البلدين، مؤكدًا أن أي سلام لا ينبع من إرادة داخلية مشتركة حقيقية لن يكون قابلاً للتطبيق على أرض الواقع.
تحذيرات دولية من انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية
أعربت مجموعة الاتصال الدولية لمنطقة البحيرات العظمى، التي تترأسها ألمانيا وتضم الولايات المتحدة وبلجيكا والدنمارك والاتحاد الأوروبي وفرنسا وهولندا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة، عن قلقها العميق إزاء التصعيد الخطير في جنوب كيفو بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وذكرت المجموعة، في بيان نشرته وزارة الخارجية الأمريكية، أن تجدد العنف وشنّ حركة «23 مارس» بدعم من رواندا هجومًا جديدًا قرب مدينة أوفيرا، وعلى مقربة من الحدود مع بوروندي، يهدد بزَعزعة استقرار المنطقة بأكملها.
وأعربت عن قلقها من الاستخدام المتزايد للطائرات المسيّرة الهجومية والانتحارية، معتبرة ذلك تصعيدًا خطيرًا يمثل تهديدًا مباشرًا على حياة المدنيين.
ودعت المجموعة حركة “23 مارس” وقوات الدفاع الرواندية إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية، وطالبت بانسحاب القوات الرواندية من شرق الكونغو امتثالًا لقرار مجلس الأمن رقم 2773، كما حثت الحركة على الالتزام بإعلان المبادئ الموقع في الدوحة في 19 يوليو 2025.
كما دعت جميع الأطراف إلى احترام وحدة الأراضي الكونغولية، وتنفيذ التعهدات الواردة في “اتفاقات واشنطن” المؤرخة في 4 ديسمبر 2025، والالتزام بوقف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
صحيفة “لوموند”: مدينة أوفيرا على وشك السقوط
ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن حركة “23 مارس” كثّفت هجومها على مدينة أوفيرا في شرق الكونغو، وباتت على وشك السقوط، ما ينذر باندلاع حرب إقليمية شاملة.
وأفادت الصحيفة، نقلًا عن الكاتب الفرنسي كريستوف شاتيلو، أن سكان أوفيرا لم يتمكنوا من الاحتفال بالتوقيع على “اتفاقية السلام الشاملة” في واشنطن يوم 4 ديسمبر، والتي كان من المفترض أن تضع حدًا لأحد أسوأ الصراعات في العالم.
وأضافت أن مدينة أوفيرا، التي يقطنها نحو 700 ألف نسمة، باتت مهددة بالسقوط في أيدي تحالف نهر الكونغو/حركة “23 مارس”، بعد سقوط جوما وبوكافو في وقت سابق.
وأشارت الصحيفة إلى أن توسع العمليات العسكرية جنوبًا أثار مخاوف من امتداد الصراع إلى بوروندي، خاصة مع وجود قوات بوروندية منتشرة في المنطقة بموجب اتفاقية دفاعية موقعة عام 2023.
خسائر بشرية كبيرة وتحذيرات إنسانية
أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مقتل 74 شخصًا، معظمهم من المدنيين، وإصابة 83 آخرين خلال الفترة من 2 إلى 7 ديسمبر الجاري، نتيجة القتال العنيف في مناطق أوفيرا ووالونغو وموينغا وفيزي، ما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تتفاقم مع انهيار فرص السلام.
وأكدت التقارير أن استمرار القتال يهدد بقطع خطوط الإمداد الرئيسية، ويزيد من مخاطر انزلاق شرق الكونغو إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، في ظل غياب حلول جذرية تعالج الأسباب الحقيقية للصراع.
إقرأ المزيد :




