الدكتور محمود أحمد فراج يكتب : مصر محوراً للشراكة الروسية الأفريقية: عقد من البناء الاستراتيجي والتعاون الاقتصادي العابر للحدود”

تعد العلاقات الاقتصادية الروسية الأفريقية نموذجاً متطوراً للشراكات الاستراتيجية التي أعيد صياغتها بشكل مكثف منذ عام 2014، حيث اتجهت موسكو نحو القارة السمراء لتعزيز تواجدها كقوة دولية وتوفير بدائل عسكرية واقتصادية وسياسية في ظل العقوبات الغربية .
وفي ظل هذا المشهد، برزت مصر كلاعب محوري ومحرك أساسي لهذا التقارب، مستغلة موقعها الاستراتيجي وثقلها السياسي لتكون “بوابة رئيسية” لروسيا نحو الأسواق الأفريقية.
بدأ الزخم الحقيقي لهذا التقارب في أغسطس 2014، عندما زار الرئيس عبد الفتاح السيسي مدينة سوتشي الروسية، وهي الزيارة التي شهدت اقتراح إنشاء المنطقة الصناعية الروسية في مصر , هذا المشروع الذي تبلغ تكلفته الاستثمارية نحو 6.9 مليار دولار، يستهدف تحويل مصر إلى مركز لانطلاق المنتجات الروسية نحو الأسواق العالمية والأفريقية.
وتكلل هذا الدور المصري القيادي في أكتوبر 2019، عندما شاركت مصر في القمة الروسية الأفريقية الأولى في سوتشي والتي عقدت برئاسة مشتركة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي رئيس الاتحاد الإفريقي في ذلك الوقت , والرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، وبحضور وبمشاركة 43 رئيس دولة وحكومة أفريقية.
تتمحور الشراكة الاقتصادية حول مشاريع ضخمة واتفاقيات تجارية متنامية، تشمل:
* المنطقة الصناعية الروسية (RIZ):
تقام في شرق بورسعيد على مساحة 5.2 كم مربع، وتستهدف قطاعات متنوعة مثل صناعة السيارات، الأدوية، المعدات، والطاقة النووية. ومن المتوقع أن توفر نحو 35 ألف فرصة عمل.
* مشروع محطة الضبعة النووية:
يمثل نموذجاً بارزاً للتعاون في مجال الطاقة النظيفة ونقل التكنولوجيا.
* حجم التجارة:
أصبحت مصر أكبر شريك تجاري لروسيا في أفريقيا، حيث وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 9 مليارات دولار بزيادة تقارب 32%. أما على مستوى القارة، فقد بلغ التبادل التجاري الروسي الأفريقي نحو 21 مليار دولار في عام 2020، مع طموحات لرفعه إلى 40 مليار دولار.
تلعب مصر دوراً لا يقتصر على الجانب الثنائي فحسب، بل يمتد ليشمل صياغة جدول أعمال الشراكة الروسية الأفريقية بالكامل. وتتجلى هذه المحورية في:
1. استضافت القاهرة في ديسمبر 2025 المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى الشراكة الروسية الأفريقية، وهو خطوة تحضيرية للقمة المقبلة، مما يعزز ثقل مصر في تطوير هذه العلاقات.
2. برزت “الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية” كلاعب محوري في إطار التعاون الثلاثي (مصر-روسيا-أفريقيا).
3. يتماشى التحرك الروسي المصري مع أجندة الاتحاد الأفريقي للتنمية المستدامة 2063، مع التركيز على ربط الاستثمارات الروسية بمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
تتميز الشراكة الروسية مع دول القارة، بدعم مصري، بكونها تقوم على مبدأ “السيادة الوطنية” وتقديم صفقات تجارية وعسكرية دون شروط سياسية أو تدخل في الشؤون الداخلية، بخلاف القوى الغربية. كما تدعم روسيا تعزيز وزن أفريقيا في مجلس الأمن والأمم المتحدة، ودعم انضمام دولها لمجموعة “بريكس”.
ختاماً، يمكن وصف مصر في هذه العلاقة بأنها “الجسر الاستراتيجي”؛ فكما يربط الجسر بين ضفتين، تربط مصر بين الطموحات الاقتصادية الروسية والفرص الواعدة في القارة الأفريقية، محولةً موقعها الجغرافي واتفاقياتها الشاملة إلى محرك نمو مشترك للأطراف كافة .
إقرأ المزيد :
روسيا والدول الإفريقية تتبنى رؤية مشتركة لشراكة استراتيجية عادلة في عالم متعددة الأقطاب




