رسائل القاهرة الحازمة في السودان.. لماذا أزعجت إثيوبيا ؟

أثار البيان المصري الأخير بشأن الأزمة السودانية، وما تضمنه من تحديد “خطوط حمراء”، حالة من الانزعاج الواضح في الأوساط الإثيوبية، انعكست بوضوح في الخطاب المتداول على منصات التواصل الاجتماعي الإثيوبية ، لتعيد إلى الواجهة المساعي الإثيوبية لإشعال توترات إقليمية تتجاوز الأزمة السودانية ذاتها ، لتشمل قضايا أعمق تتعلق بالأمن القومي الإقليمي، وحوض النيل، ومنطقة القرن الأفريقي.
« أفرو نيوز 24 » طرح علي خبيرين مصري وسوداني التساؤلات عن أسباب هذا الانزعاج الإثيوبي من مساعي مصر لوقف الحرب في السودان والحفاظ على وحدة وسيادة الدولة السودانية، ولماذا تتخوف أديس أبابا من أية جهود لحل الأزمة السودانية ؟ .
جذور الريبة الإثيوبية

ويرى رامي زهدي، خبير الشؤون الإفريقية، أن ردود الفعل الإثيوبية تعكس حالة من التوجس والريبة تجاه أي تحرك مصري أو توافق مصري مع دول أفريقية، سواء في منطقة القرن الأفريقي أو في عموم القارة، مشيرًا إلى أن إثيوبيا باتت تنظر بعين الشك إلى أي دور إقليمي تقوم به القاهرة، حتى وإن كان في إطار الدعم أو المساندة.
ويؤكد زهدي أن إثيوبيا، التي أثارت على مدار سنوات طويلة العديد من الأزمات مع دول الجوار، بل ومع مصر التي تُعد “دولة جوار للجوار”، تعيش حالة من القلق الدائم نتيجة سياسات التعنت والمكايدة السياسية التي تتبعها، وسعي مزعوم – مغلف بالأوهام – لقيادة القرن الأفريقي، مع افتراض غير واقعي بوجود منافسة مباشرة مع مصر.
ويشير زهدي إلى أن مصر، تاريخيًا وحاضرًا ومستقبلًا، متواجدة في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر بغرض الدعم والمساندة وتعزيز الاستقرار .
بيان 18 ديسمبر 2025: الخطوط الحمراء المصرية
ولفت الخبير المصري في الشؤون الإفريقية إلى أن مصر أصدرت في 18 ديسمبر 2025 بيانًا رسميًا، تزامنًا مع زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة، حدّدت فيه مجموعة من الخطوط الحمراء بشأن تطورات الأزمة السودانية، أبرزها:
– التأكيد على الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، ورفض أي محاولات لانفصال أي جزء منه أو الاعتراف بأي كيانات موازية.
– الربط الصريح بين الأمن القومي المصري والأمن القومي السوداني، واعتبار أي مساس باستقرار السودان تهديدًا مباشرًا للأمن القومي لمصر.
– التلويح بإمكانية تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك، بما يضمن احترام هذه الخطوط الحمراء ومنع تجاوزها.
أبعاد إقليمية تتجاوز الأزمة السودانية
ويرى زهدي أن هذا الموقف المصري، رغم كونه موجهًا بالأساس إلى تطورات الأزمة في السودان، يحمل أبعادًا أوسع تتعلق بالسياسة الإقليمية المصرية، خاصة في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها إقليم القرن الأفريقي وحوض النيل.
وقال : ” من خلال رصد الخطاب الإثيوبي الرسمي وغير الرسمي، ولا سيما ما يتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي الإثيوبية، يمكن تحديد مصادر للانزعاج الإثيوبي من البيان المصري، مشيرا إلى ازدواجية التقييم في الخطاب الإثيوبي ، والذي يتعلق وفقما وصفه زهدي بازدواجية التقييم الإثيوبي للأزمات الإقليمية، ففي سياق موازٍ، أثارت تصريحات إثيوبية حديثة حول ملف مياه النيل وسد النهضة انتقادات للخطاب المصري، حيث جرى تصوير الموقف المصري على أنه رفض للحوار، وتمسّك بما اعتبرته أديس أبابا “حقوقًا تاريخية ذات طابع استعماري” فيما يتعلق بحصة مصر من مياه النيل.
وفي هذا الإطار، وُجهت اتهامات للقاهرة بالسعي إلى إبقاء دول حوض النيل في حالة ضعف أو انقسام لخدمة مصالحها الاستراتيجية.
ويشير زهدي إلى أن أحد أسباب الانزعاج الإثيوبي أيضا يتمثل في الخشية من ربط القضايا الإقليمية بعضها ببعض، حيث يُفهم الخطاب المصري الذي يدمج بين الأزمة السودانية، والأمن القومي المصري، وحوض النيل، في أديس أبابا على أنه محاولة لتوسيع دائرة الخلافات الإقليمية بدلًا من الفصل بين مساراتها.
ويضيف ” أن تاريخ النزاع حول سد النهضة لا يزال عنصرًا حاضرًا بقوة في القراءة الإثيوبية لأي موقف مصري، ويُستخدم لتفسير ما تعتبره أديس أبابا “تشددًا” مصريًا في ملفات إقليمية أخرى.
وسائل التواصل الاجتماعي وتأجيج الاستقطاب
ويسلط خبير الشؤون الإفريقية الضوء على الدور المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي في صياغة مشاعر الانزعاج والاستقطاب، مؤكدًا أن هذه المنصات تحولت من مجرد مساحات للنقاش إلى ساحات لتبادل الشعارات السياسية والخطابات القومية.
وقال ” يمكن رصد انتشار منشورات على صفحات إثيوبية، خاصة على “فيسبوك”، تربط بين الموقف المصري وتهديد هوية وسيادة الدول، وتعيد تفسير البيان المصري باعتباره إعادة إنتاج لأفكار “هيمنة” تاريخية في المنطقة، مع تحويل الخلافات السياسية إلى خطاب قومي تعبوي.
و أشار زهدي إلى أن بعض الحسابات الإثيوبية ذهبت إلى ترويج الأكاذيب وتوصيف الخطاب المصري بأنه يعيد إحياء نزاعات تاريخية، ويغذي مشاعر سلبية تجاه مصر، بدلًا من التركيز على الأسباب الداخلية والجذور الحقيقية للأزمة السودانية.
الفجوة المعلوماتية وتأثيرها على الرأي العام
وأضاف زهدي أن استغلال الفجوة المعلوماتية لدى قطاعات من الشعب الإثيوبي، وبعض الشعوب الأفريقية الأخرى، يلعب دورًا مهمًا في تضخيم هذه الروايات، حيث إن الافتقار إلى مصادر مستقلة وتحليلية يُسهّل انتشار سرديات تستفيد من البيان المصري لتكريس شعور بـ”التعرض” الخارجي، خاصة فيما يتعلق بحقوق المياه والنفوذ في القرن الأفريقي.
وأشار إلى أن محاولات التأثير الإثيوبية عبر منصات التواصل الاجتماعي، حتى وإن كانت محدودة من حيث الانتشار، فإنها تتكامل مع خطاب إثيوبي إقليمي أوسع يشكك في دور القوى الإقليمية الكبرى، وقد تسهم في خلق حساسيات تجاه أي تحالفات خارجية غير محسوبة.
توترات عميقة في علاقات إثيوبيا الإقليمية
واختتم رامي زهدي بالتأكيد على أن الانزعاج الإثيوبي من بيان “الخطوط الحمراء” المصري حول السودان لا يمكن اعتباره رد فعل عابر، بل يعكس توترات عميقة في علاقات إثيوبيا الإقليمية، تتداخل فيها القضايا التاريخية، مثل مياه النيل وأمن البحر الأحمر، مع التطورات الراهنة في القرن الأفريقي، مشددًا على أن خطاب وسائل التواصل الاجتماعي الإثيوبية أصبح جزءًا أساسيًا من هذه الديناميكية المعقدة.
تهديدات إثيوبية للأمن القومي السوداني

من جانبه، أكد الكاتب الصحفي والمحلل السوداني رئيس تحرير صحيفة الرواية الأولى مجدي عبد العزيز، ، أن قضية الأمن القومي السوداني وامتداداتها إلى الأمن الإقليمي لا تقتصر فقط على هذا العدوان على السودان عبر آلية الميليشيا المتمردة المدعومة من طرف خارجي، ومحاولتها تكوين كيان موازٍ في غرب السودان. واستطرد قائلًا: «لكن قضايا الأمن القومي المعقدة تمتد أيضًا إلى المسائل الاستراتيجية، مثل الأمن المائي للسودان ومصر، في ظل هذا العبث الإثيوبي بالإجراءات الأحادية المتعلقة بسد النهضة، سواء في قضايا الملء أو التشغيل، ومحاولات الإضرار بالسودان ومصر».
وأضاف الكاتب الصحفي السوداني، في تصريح لـ«أفرو نيوز 24»، أن هذا التحدي للأمن القومي السوداني والمصري يمتد كذلك إلى ما يتسرب من معلومات موثقة تفيد بأن النظام الإثيوبي يفتح حاليًا معسكرات لتدريب قوات مرتزقة تعمل تحت مظلة ميليشيا الدعم السريع المتمردة. وأوضح أن إعلان مصر تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك هو ما يفسر حالة الانزعاج الإثيوبي البارزة خلال هذه الأيام.
لماذا ؟
وتابع قائلًا: «لماذا؟ لأن تدريب المرتزقة على الحدود السودانية الإثيوبية، وتحديدًا في إقليم بني شنقول، يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن السوداني، وكذلك للأمن القومي المصري. وهو ليس فقط فتح جبهة جديدة في شرق السودان لدعم الميليشيا، بل يعد أيضًا محاولة لشرعنة هذا التحدي المرتبط بالأمن المائي والمتمثل في سد النهضة».
وأضاف أن هذه الخطوة تمثل مساسًا بالأمن القومي والإقليمي، مؤكدًا أن القضية معقدة وتمتد آثارها إلى الإقليم بأكمله. وأشار إلى أن مصر، بدورها التاريخي وثقلها الإقليمي ومسؤولياتها الكبيرة تجاه أشقائها في السودان ودول الإقليم، مثل إريتريا والدول المحبة للسلام، تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار، خاصة في الممر المائي للبحر الأحمر. وشدد على أن مصر تضع هذه «الخطوط الحمراء» وتؤكد، وفق قواعد ومبادئ القانون الدولي، ووفق اتفاقية الدفاع المشترك مع السودان، أنها ستتدخل وتتخذ الإجراءات اللازمة حال المساس بالأمن القومي السوداني، باعتباره مساسًا بالأمن القومي المصري والأمن القومي الإقليمي.
إقرأ المزيد :




