بوركينا فاسو ومالي والنيجر تطلق “قوة الساحل”: تحالف عسكري جديد لمواجهة التمرد والإقصاء الإقليمي

في خطوة تعكس تحولاً جيوسياسياً وأمنياً عميقاً في غرب أفريقيا، أطلقت بوركينا فاسو ومالي والنيجر رسمياً “قوة الساحل” العسكرية المشتركة، خلال حفل عسكري مهيب أقيم في قاعدة جوية بباماكو، عاصمة مالي. ويرأس هذه القوة الجديدة الجنرال البوركيني، داودا تراوري، وسيتخذ من نيامي، عاصمة النيجر، مقراً دائماً لقيادته.
تأتي هذه المبادرة كأحدث حلقة في سلسلة من التدابير التي تتخذها الدول الثلاث لتعزيز اندماجها، بعد تشكيلها لـ “تحالف الساحل” في سبتمبر 2023، إثر انسحابها الجماعي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس). وطبقاً للبيانات الرسمية، فإن الهدف الأساسي للقوة، التي يقدر قوامها الأولي بـ 5000 جندي، هو “التدخل المشترك” لمواجهة التهديدات الأمنية المتمثلة في التمرد المسلح الذي تشنه جماعات إسلامية متطرفة، والذي أنهك دول المنطقة لسنوات، تاركاً آلاف الضحايا وملايين النازحين.
وحضر حفل الإطلاق الجنرال أسيمي جويتا، حاكم مالي العسكري، إلى جانب وزراء دفاع الدول الثلاث، بالإضافة إلى سفراء وممثلي منظمات دولية معتمدين في مالي، في إشارة إلى سعي التحالف للحصول على شرعية ودولية ما.
وتعكس هذه الخطوة عدة تحولات جوهرية: الهوية السياسية المشتركة، فالدول الثلاث يحكمها مجالس عسكرية وصلت إلى السلطة عبر انقلابات (2020 في مالي، 2022 في بوركينا فاسو، 2023 في النيجر)، وتتشارك في خطاب وطني معادي لما تصفه بـ “الهيمنة” الغربية ورفض “أساليب” المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب.
ويمثل إطلاق القوة تعزيزاً للتحالف البديل عن إيكواس، حيث تتهم الدول الثلاث المنظمة الإقليمية بـ “فرض عقوبات غير إنسانية” وكونها أداة في يد القوى الغربية، خاصة فرنسا، بعد أن فرضت إيكواس عقوبات صارمة على الدول المنقلبة.
و مع انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية تدريجياً من المنطقة، وتراجع ثقة الحكومات المحلية بفعالية التعاون الأمني التقليدي مع الغرب، تسعى هذه الدول إلى بناء إطار أمني تعاوني ذاتي، مع الحفاظ على علاقات أمنية جديدة مع شركاء مثل روسيا (عبر مجموعة فاغنر/مجموعة إف إس بي) وتركيا.
و يطرح إطلاق القوة تساؤلات وتحديات كبيرة: القدرات والتمويل، فهل تمتلك الدول الثلاث، التي تعاني اقتصاداتها من الضعف وأجهزتها الأمنية من الإرهاق، الموارد المالية والعسكرية اللازمة لإدامة وتشغيل قوة مشتركة فعالة دون دعم خارجي كبير؟
وتواجه الحكومات العسكرية في الدول الثلاث اتهامات من منظمات حقوقية ودولية بارتكاب انتهاكات جسيمة في حربها ضد المتطرفين، مما يثير مخاوف من أن تكون عمليات القوة المشتركة على نفس المنوال.
ويُنظر إلى هذا التحالف من قبل بعض دول الجوار ومنظمة إيكواس على أنه عامل تفكيك للنظام الإقليمي القائم، مما قد يزيد من حدة الانقسامات ويصعّب تحقيق حلول سياسية شاملة لأزمات المنطقة.
والسؤال المطروح، هل ستتمكن هذه القوة من تحقيق ما فشلت فيه عمليات عسكرية دولية سابقة (مثل قوة مجموعة الدول الخمس في الساحل) في القضاء على التمرد، في ظل استمرار الأسباب الجذرية للأزمة مثل الفقر والهشاشة الحكومية؟
و يعتبر إطلاق “قوة الساحل” علامة فارقة تؤكد رغبة الدول الثلاث في السير على مسار منفصل، سياسياً وأمنياً، عن محيطها الإقليمي التقليدي والتأثير الغربي. بينما تقدمه هذه الحكومات كحل مستقل لأزمتها الأمنية، فإن نجاحه مرهون بقدرتها على تخطي تحديات التمويل والكفاءة، وتحسين سجلها في مجال الحوكمة وحقوق الإنسان، وإثبات قدرة عسكرية تفوق ما تم عرضه سابقاً.
يبقى المشهد الأمني في الساحل على المحك، حيث تُختبر جدوى هذا التحالف الجديد في معركة وجودية ضد التمرد، وفي مواجهة العزلة الدبلوماسية والاقتصادية المتزايدة.




