الجزائر تُقر قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي ويعيد فتح ملف الجرائم التاريخية
أفريقيا والشرق الأوسط… إرث الاستعمار وحقوق الشعوب غير القابلة للتصرف
في الجزائر وفي خطوة تشريعية ذات دلالات سياسية وتاريخية عميقة، أقرّ البرلمان الجزائري بالإجماع، يوم الأربعاء 24 ديسمبر، قانوناً يجرّم الاستعمار الفرنسي الذي امتد من عام 1830 حتى 1962، ويُحمّل الدولة الفرنسية المسؤولية القانونية الكاملة عن الجرائم والمآسي التي ارتُكبت بحق الشعب الجزائري خلال أكثر من 132 عاماً من الاحتلال. وينص القانون على حق الجزائر، دولةً وشعباً، في التعويض الكامل والعادل عن الأضرار المادية والمعنوية، واعتبار هذا الحق غير قابل للتصرف أو التقادم، إلى جانب المطالبة باعتذارات رسمية صريحة من الدولة الفرنسية. كما شدد النص على تجريم أي شكل من أشكال تمجيد الاستعمار أو تبريره، واعتبر التعاون مع “الحركيين” – وهم الجزائريون الذين خدموا في صفوف الجيش الفرنسي – “خيانة عظمى”. وقد قوبل القانون بإشادة واسعة داخل البرلمان، باعتباره خطوة لاستعادة السيادة على الذاكرة الوطنية، في مقابل رفض فرنسي واضح، حيث وصفت وزارة الخارجية الفرنسية الخطوة بأنها “مبادرة عدائية”، مؤكدة في الوقت نفسه أن باريس لا تعلق على الشؤون الداخلية للدول، مع إبداء استنكارها لما اعتبرته تقويضاً لمساعي الحوار وملفات الذاكرة المشتركة، وهو ما يعكس استمرار حساسية هذا الملف بوصفه أحد أبرز مصادر التوتر المزمن بين البلدين
وعلى امتداد القارة الأفريقية، اتخذت دول عدة خطوات مماثلة، بدرجات مختلفة، لمحاسبة الماضي الاستعماري. فقد طالبت ناميبيا ألمانيا رسمياً بالاعتراف بالإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الألماني ضد قبيلتي الهيريرو والناما مطلع القرن العشرين، وهو ما قاد إلى اعتراف ألماني وتعهدات مالية وُصفت في ناميبيا بأنها غير كافية. وفي كينيا، رفعت جماعات من ضحايا الاستعمار البريطاني دعاوى قضائية ضد لندن بسبب جرائم التعذيب والاعتقال خلال ثورة “الماو ماو”، ما أسفر عن اعتذار رسمي وتعويضات لعدد من الضحايا. أما جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد أعادت فتح ملف الجرائم البلجيكية، بما في ذلك نهب الموارد وقتل الملايين في عهد الملك ليوبولد الثاني، مطالبة باستعادة الممتلكات المنهوبة واعتراف أخلاقي وقانوني كامل. وفي مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ترافقت موجة التحرر السياسي الأخيرة مع خطاب رسمي يطالب بمراجعة شاملة لإرث الاستعمار الفرنسي، سواء من حيث الوجود العسكري أو السيطرة الاقتصادية أو الهيمنة الثقافية. هذه المطالب الأفريقية تتقاطع في جوهرها حول اعتراف واضح بالجرائم، فتح الأرشيفات، الاعتذار الصريح، التعويض العادل، وإعادة كتابة التاريخ من منظور الشعوب التي عانت. وبذلك، لم تعد مسألة تجريم الاستعمار شأناً جزائرياً معزولاً، بل جزءاً من وعي أفريقي جماعي يسعى إلى تصحيح اختلالات التاريخ، وتأكيد أن استقلال الدول لا يكتمل دون عدالة تاريخية تحفظ كرامة الشعوب وحقوقها غير القابلة للتصرف.




