اعتراف إسرائيل بأرض الصومال يفجّر أزمة إقليمية .. سياسات نتنياهو تشعل بؤرة توتر جديدة في إفريقيا

أشعل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتراف بلاده بإقليم أرض الصومال باعتباره «دولة مستقلة ذات سيادة» موجة غضب واسعة في الأوساط الإفريقية والعربية والإسلامية، وسط تحذيرات من أن الخطوة تمثل بؤرة جديدة مرشحة للاشتعال في منطقة القرن الإفريقي، وتهديدًا مباشرًا لوحدة الدولة الصومالية واستقرار الإقليم.
تحرك دبلوماسي رباعي لدعم وحدة الصومال
وفي مواجهة الإعلان الإسرائيلي، أعلن وزراء خارجية مصر وتركيا والصومال وجيبوتي موقفًا موحدًا يقوم على الدعم الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية، مع الرفض القاطع لأي إجراءات أحادية من شأنها المساس بالسيادة الصومالية أو تقويض أسس الاستقرار في البلاد.
وشدد الوزراء على دعم مؤسسات الدولة الصومالية الشرعية، ورفض أي محاولات لفرض كيانات موازية أو أمر واقع جديد يتعارض مع وحدة الدولة الصومالية ويهدد استقرارها السياسي والأمني.
ووفق بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية، جرى خلال اتصالات تلقاها وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطي من نظرائه في تركيا والصومال وجيبوتي التأكيد على أن الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول يُعد سابقة خطيرة وتهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين، وينتهك المبادئ المستقرة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة, مشددين أن احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي الدول يمثل حجر الزاوية في استقرار النظام الدولي، ولا يجوز المساس به تحت أي مبرر، مع التشديد على رفض أي محاولات لفرض واقع جديد أو إنشاء كيانات موازية تتعارض مع الشرعية الدولية وتقوض فرص الأمن والاستقرار والتنمية.
الجامعة العربية: اعتداء إسرائيلي على دولة عربية وإفريقية

من جانبه، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن الخطوة الإسرائيلية تمثل اعتداءً واضحًا على سيادة دولة عربية وإفريقية، مشيرًا إلى أنها تصدر عن قوة احتلال تمارس يوميًا انتهاكات جسيمة بحق الشعب الفلسطيني ودول الجوار، وتتجاهل قرارات الشرعية الدولية.
وأوضح أبو الغيط أن هذا التحرك يهدف إلى تقويض استقرار المنطقة بالتعاون مع أطراف ثالثة، بعيدًا عن أي التزام بالقواعد المنظمة للاعتراف بالدول وفق القانون الدولي.
بدوره، شدد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف على رفضه القاطع لأي مبادرة أو إجراء يهدف إلى الاعتراف بإقليم صوماليلاند ككيان مستقل، مؤكدًا أن الإقليم لا يزال جزءًا لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية، وأن أي مساس بوحدته يشكل تهديدًا لاستقرار القارة الإفريقية.
خبراء: الاعتراف الإسرائيلي ينذر بتداعيات خطيرة
وحذر خبراء ومحللون متخصصون في الشؤون الإفريقية من أن الخطوة الإسرائيلية سيكون لها تداعيات خطيرة على أمن واستقرار القرن الإفريقي، وقد تفتح الباب أمام موجة جديدة من النزاعات والانقسامات في منطقة تعاني بالفعل من هشاشة أمنية وصراعات ممتدة.
السفير صلاح حليمة : السعي الإسرائيلي للتواجد في الإقليم ليس جديدًا
وفي هذا السياق، أكد السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق ونائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، أن سعي إسرائيل للتواجد في إقليم أرض الصومال ليس أمرًا جديدًا، لافتًا إلى أن الإقليم يتمتع بموقع استراتيجي بالغ الأهمية ضمن الدولة الصومالية، حيث يطل على مدخل البحر الأحمر وخليج عدن، ويمتد في اتجاه باب المندب وقناة السويس.
وقال السفير صلاح حليمة في تصريحات خاصة لـ«أفرو نيوز 24» : ” إن إسرائيل متواجدة بالفعل في شمال البحر الأحمر عبر ميناء إيلات، وهو وجود تم بطريقة غير شرعية، نظرًا لأن إيلات أرض مصرية تُعرف بقرية أم الرشراش.
وأضاف” أن إسرائيل تسعى الآن للتواجد في أرض الصومال أيضًا عبر تصرف أحادي يتعارض مع القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، من خلال النيل من وحدة الدولة الصومالية وسلامتها الإقليمية مقابل مكاسب سياسية ومادية.
مخاطر عسكرة البحر الأحمر
وأشار مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن الاعتراف الإسرائيلي، وفق ما ورد في نص البيان، يشمل أبعادًا أمنية وسياسية، ما يعني عمليًا وجودًا عسكريًا إسرائيليًا في شمال وجنوب البحر الأحمر، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن والاستقرار في منطقة ذات أهمية حيوية للأمن القومي المصري والعربي والإفريقي.
وشدد على ضرورة التعامل مع هذه التطورات من منظور جيوسياسي شامل، يعتبر القرن الإفريقي جزءًا لا يتجزأ من منظومة البحر الأحمر، وليس مجرد نطاق جغرافي محدود.
وأكد السفير صلاح حليمة أن التحرك الإسرائيلي لا يتم بشكل منفرد، بل يأتي في إطار تنسيق وتشاور مع رباعية تضم دولًا إقليمية ودولية، سبق أن لعبت أدوارًا في تفتيت وتقسيم دول بالمنطقة، مثل اليمن والسودان، والآن الصومال، عبر خلق كيانات موازية على أسس إثنية أو قبلية أو دينية أو طائفية.
وأوضح حليمة أن إسرائيل، باعتبارها دولة استعمارية استيطانية توسعية، قد ربطت هذه الخطوة بمخططات «الشرق الأوسط الجديد»، وبالتطورات الجارية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيرًا إلى أن الاعتراف بأرض الصومال قد يكون مرتبطًا أيضًا بالمواجهة مع إيران والحوثيين، واحتمالات الدفع نحو تهجير الفلسطينيين قسرًا إلى الإقليم، خاصة مع ما يتردد عن توقيع أرض الصومال على الاتفاقيات الإبراهيمية بعد الاعتراف بها.
واعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق أن رئيس إقليم أرض الصومال أخطأ في هذه الخطوة، لا سيما في ظل الموقف الدولي الرافض للسياسات الإسرائيلية، وإدانة قادة إسرائيل، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، كمجرمي حرب مطلوبين للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، فضلًا عن إدانة إسرائيل كدولة من قبل محكمة العدل الدولية على خلفية القضية الفلسطينية.
تحركات عربية وإفريقية مرتقبة
وأكد السفير صلاح حليمة أن الموقف المصري–التركي–الصومالي–الجيبوتي مرشح للتعزز بدعم من جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، إضافة إلى عدد كبير من دول العالم، وخاصة الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر، مشددًا على ضرورة تفعيل هذا الإطار الجماعي.
كما حذر من احتمالية إقدام إثيوبيا أو دول أخرى على خطوات مماثلة في حال غياب تحرك عربي وإفريقي قوي لوقف هذا التوجه.
تورشين : سيكون له تداعيات كبيرة ومعقدة علي أمن واستقرار القرن الإفريقي
من جانبه، أكد الدكتور محمد تورشين، الخبير في الشؤون الإفريقية، أن الاعتراف الإسرائيلي بإقليم أرض الصومال كدولة مستقلة ستكون له تداعيات كبيرة ومعقدة على أمن واستقرار القرن الإفريقي.
وأوضح أن هذه الخطوة قد تدفع أطرافًا أخرى للاعتراف بالإقليم، وفي المقابل قد تشجع قوى دولية فاعلة على دعم الحكومة الصومالية في مقديشو، ما قد يقود إلى صراع عسكري واسع لإخضاع الإقليم باعتباره خارجًا عن السيادة المركزية.
وتوقع تورشين ألا تحظى الخطوة الإسرائيلية بقبول في المحيط الإقليمي، لأنها ستشجع تيارات انفصالية جديدة داخل دول القرن الإفريقي، ما يمثل تهديدًا حقيقيًا لأمن واستقرار المنطقة.
وشدد على أن الاتحاد الإفريقي سيرفض هذه الخطوة رفضًا قاطعًا، لأن القبول بها سيفتح الباب أمام أزمات كبرى داخل القارة، ويقوض أحد أهم مبادئ الاتحاد القائمة على احترام وحدة الدول وحدودها الموروثة.
إقرأ المزيد :




