الأفارقة وقود للمدافع في الحرب الروسية الأوكرانية (حتى يوليو 2025)

تحوّلت الحرب الروسية الأوكرانية، من صراع جيوسياسي بين دولتين، إلى ساحة استغلال عابر للحدود، تستدرج فيها الفئات الأكثر هشاشة من دول العالم النامي — وفي مقدمتها القارة الأفريقية — ليجدوا أنفسهم في خطوط النار، تحت رايات لا تمثلهم، وضمن معارك لا تخصهم، لقد أصبح تجنيد المهاجرين الأفارقة في هذه الحرب نموذجًا صارخًا للاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، حيث تتحول أحلام التعليم والعمل والاستقرار، إلى كوابيس قتال وموت.
الحادثة الأخيرة: لقوع نيجيري في قبضة فيلق “الحرية لروسيا” فقد أعلنت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية اليوم عن أسر مواطن نيجيري يُدعى كيهيندي أولواغبيميليك، خلال عملية عسكرية في منطقة زابوريزهيا جنوب شرق أوكرانيا، وأفادت السلطات أن كيهيندي كان طالبًا في موسكو قبل أن يُستدرج للانضمام إلى فوج البنادق الآلية 503 التابع للحرس الروسي.
ووفقًا للرواية الأوكرانية، تم استدراج الشاب بوعد براتب مغرٍ وخدمة آمنة، لكن سرعان ما أُلقي به في “هجوم انتحاري” دون أي تجهيز أو تدريب، كما ظهر في مقطع مصوّر بحالة من الارتباك والانهيار النفسي، ما اعتبرته كييف دليلاً على استخدام موسكو للمهاجرين الأفارقة كوقود للمدافع.
تكرار النمط: السنغالي مالك ديوب نموذجًا
سبق أن تم أسر المواطن السنغالي يدعي مالك ديوب في أبريل الماضي على جبهة توريتسك بمنطقة دونيتسك، والذي كان أيضًا طالبًا في روسيا قبل أن يُجند بواسطة وسطاء وعدوه بالسفر إلى أوروبا، القاسم المشترك بين الحالتين: الاستدراج عبر الكذب، ثم الزجّ في الخطوط الأمامية دون تدريب حقيقي.
استراتيجيات التجنيد الروسية: الوعود… ثم الإجبار
روسيا تقدم وعودًا برواتب تصل إلى 3,000 دولار شهريًا، مع تسهيلات للحصول على الجنسية الروسية بعد انتهاء الخدمة، وتستهدف هذه العروض بالأساس مواطني دول مثل نيجيريا، الكاميرون، غانا وغيرها.
كما يتم استدراج الطلاب والعمال المهاجرين بإعلانات عن “فرص عمل”، ثم يُجبرون على توقيع عقود عسكرية. ومن أبرز الأمثلة المواطن الكاميروني جان أونانا، الذي وصل إلى موسكو للعمل في مصنع، ليُجبر لاحقًا على القتال في دونباس دون تلقي أي تدريب عسكري.
كما تبنت روسيا، عبر مجموعة فاغنر، سياسة تجنيد السجناء من الجنسيات الأفريقية بوعدهم بالعفو بعد 6 أشهر. وقد صرّح مؤسس “فاغنر”، يفجيني بريغوجين: “نحتاج إلى مواهبكم الإجرامية”
منذ بداية الحرب، أطلقت أوكرانيا حملة تجنيد دولية، أفضت إلى انضمام أكثر من 20,000 مقاتل من 52 دولة إلى ما يُعرف بـ”الفيلق الدولي”. وكان من بينهم 249 مقاتلًا أفريقيًا من 14 دولة، أبرزهم:
نيجيريا: 97، الجزائر: 60 جنوب أفريقيا: 35 إلا أن هؤلاء المتطوعين يواجهون صعوبات كبيرة في الاندماج، التمييز العرقي، والحواجز اللغوية، فضلًا عن نقص الخبرة العسكرية.
الردود الأفريقية: بيانات وتحذيرات وغضب شعبي
نيجيريا والسنغال: أصدرتا بيانات رسمية تحذّر مواطنيها من الانخراط في النزاع، معتبرة الأمر خرقًا للقانون الدولي.
الكاميرون: كشفت تقارير عن فرار مئات الجنود إلى أوروبا للانضمام إلى المعارك، مما دفع الحكومة لتشديد الرقابة على السفر العسكري، أما في جمهورية أفريقيا الوسطى فقد شهدت مظاهرات ضد مجموعة فاغنر بعد اختفاء عدد من الشباب الأفارقة، وفي مالي اتهمت موسكو باستغلال المهاجرين الأفارقة.
جنوب أفريقيا: توترت علاقاتها مع واشنطن بعد تقارير عن شحنات أسلحة إلى روسيا، رغم نفي الحكومة.
أما مفوضية الأمم المتحدة: وصفت تجنيد روسيا للأفارقة بأنه “قد يرقى إلى الاتجار بالبشر”، خصوصًا في حالات الإكراه والخداع
الفيلق الأفريقي الروسي: حقائق صادمة
يُقدّر عدد الأفارقة المقاتلين مع روسيا بأكثر من 2,000 عنصر ضمن وحدات فاغنر والجيش النظامي، في عام 2024، ومع انخفاض عدد المتطوعين الروس بنسبة 80%، رفعت موسكو مكافأة التجنيد إلى 20,000 دولار ووسّعت عمليات التجنيد في رواندا، بوروندي، والكونغو.
تداعيات إنسانية وقانونية
غياب الحماية القانونية والدبلوماسية يُعرض المقاتلين الأفارقة لخطر الاحتجاز، أو الاستغلال، أو الإعدام الميداني.
لا توجد آلية واضحة لإعادتهم أو دمجهم في أوطانهم بعد انتهاء الخدمة أو الهرب.
صعوبة تصنيفهم قانونيًا: هل هم مرتزقة؟ أسرى حرب؟ ضحايا اتجار بالبشر؟
مشاركة المهاجرين والطلاب الأفارقة في الحرب الروسية الأوكرانية ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل تعكس بنية عالمية من الاستغلال وعدم المساواة. ففي حين تتقاتل القوى الكبرى على النفوذ، يتحول شباب القارة إلى بيادق في لعبة الموت، تُسيّرهم الأوهام، وتغتالهم الحقائق.
ومع تواتر التقارير الحقوقية، قد يتعرض الطرفان لضغوط دولية لوقف تجنيد الأجانب، خاصة مع تصاعد وصف هذه الممارسات بأنها “أشكال جديدة من الاستعمار المسلح”. لكن تظل فعالية أي تحرك مرهونة بإرادة سياسية غائبة، ومجتمع دولي يفضل الصمت على المواجهة.